للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر منتف لا جدال فيه، بخلاف ما لو جاء بصيغة فقد يمتثل وقد لا يمتثل، فإتيان الأمر بصيغة الخبر المنفي يكون أثبت وأبلغ.

قوله: "لا ينكح المحرم" هل هو الرجل أو المرأة؟ يشمل الرجل والمرأة، فالرجل لا يعقد على امرأة، والمرأة لا يعقد لها على رجل، "ولا ينكح" يعني: ولا ينكح غيره، وهذا يدل على أنه لا يكون وليًا في عقد النكاح، فلو أن الولي كان محرمًا والزوج والزوجة محلين فعقد الولي فهذا حرام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ولا ينكح".

قال: "ولا يخطب"، الخطبة أن يخطب امرأة إلى نفسه فيتزوجها فلا يحل له أن يخطب، أما العقد فلأنه وسيلة قريبة إلى الجماع، وأما الخطبة فلأنها وسيلة إلى العقد فالخطبة وسيلة إلى العقد، والعقد وسيلة إلى الجماع، والجماع معروف أنه محرم، فحرمت هذه الأشياء الثلاثة سدًا للذريعة، وهما ذريعتان أولى وثانية: الخطبة ذريعة أولى، والعقد ذريعة ثانية.

ولهذا نقول: هذا الحديث يدل على تحريم هذه الأشياء الثلاثة: النكاح، والإنكاح، والخطبة في حال الإحرام؛ لأنها وسيلة إلى الجماع الذي هو أشد محظورات الإحرام إثمًا وأثرًا، هل نقول: إنه تحرم المباشرة من باب قياس الأولى، أو نقول: إنها حرام بالنص من باب قوله تعال: {فَلا رَفَثَ}؟ الثاني: فالرفث الجماع ومقدمات الجماع، إذ الجماع من المحظورات، والجماع قبل التحلل الأول يترتب عليه خمسة أمور: الإثم، وفساد النسك، ووجوب الاستمرار فيه، والفدية وهي بدنة، والخامس: قضاؤه من العام القادم. هذه خمسة أمور تترتب على الجماع إذا كان قبل التحلل الأولى، وهذه كلها تثبت بآثار عن الصحابة -رضي الله عنهم- وبآثار مرفوعة فيها مقال، لكن يترتب عليه هذه الأمور الخمسة، المباشرة لاشك أنها دون الجماع، ولذلك لا يجب بها حد الزنا، ولا يحرم إنكاح من باشر امرأة بدون زنا فما الواجب فيها؟ قال بعض العلماء: إن أنزل فالواجب فدية ولكن لا تفسد النسك، فدية يعني: بدنة، والصحيح أنه لها يجب بها بدنة، وإنما هي كفدية الأذى بناء على ما قاله جمهور أهل العلم، الإنكاح والنكاح والخطبة هذه الثلاثة حرام؟ نقول: الأصل في النهي التحريم، وعليه فلو تزوج المحرم رجلًا كان أو امرأة فالعقد فاسد، لأن النهي عاد إلى ذات الشيء، والنهي إذا عاد إلى الشيء أو إلى شرطه يقتضي الفساد إذ إننا لو قلنا بصحة المنهي عنه لكان في ذلك مضادة لله ورسوله؛ لأن لازم التصريح النفوذ والنهي يقتضي التحريم، فالذين قالوا: إن الثلاثة حرام، قالوا: لأن مساق الحديث واحد، فلا يمكن أن نفرق بين ثلاثة أشياء جمع الشارع بينها، والذين قالوا: إن الخطبة مكروهة قالوا

<<  <  ج: ص:  >  >>