للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدل لذلك بأنه مراد لغيره، فإن المقصود الأعظم هو رمي الجمرات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الطّواف بالبيت وبالصفا والمرة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله"، ولم يقل: والمبيت بمنى؛ لأن الأصل براءة الذمة وعدم التأثيم بالترك.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم"، فمن المعلوم أن هذا الحديث ليس على عمومه بالاتفاق وإلا لوجبت الإشارة إلى الحجر الأسود ووجب الرمل ووجب الاضطباع وغير ذلك من الأشياء التي ليست بواجبة، وأما استئذان العباس فلا يمتنع أن يستأذنه في ترك مستحب، فيقول: ائذن لي وإن كان ليس بواجب"، ولكن الذي يظهر وجوب المبيت في منًى، وأنه لا يجوز للإنسان أن يدع المبيت، ولكن ما مقدار الواجب منه؟ قال العلماء: مقدار الواجب منه أن يبيت معظم الليل من أوله أو من آخره فإذا وصل إلى منى مثلًا من مكة وهو في مكة طول النهار ووصل إلى منى قبل منتصف الليل بساعة وبقي إلى الفجر يكون أتى بالواجب؛ لأنه بقي معظم الليل، ولو بقي في منى إلى ما بعد منتصف الليل بساعة مثلًا أجزأه؛ لأنه بقي في منى معظم الليل.

وإذا قلنا: بالواجب فهل يلزمه دم بترك ليلة أو بترك الليلتين جميعًا أو بترك الثلاث إن تأخر؟

نقول: لا يلزمه دم بترك ليلة، إنما يلزمه الدم بترك الليلتين إن تعجل أو الثلاث إن تأخّر، فأما إذا ترك ليلة واحدة فلا يلزمه دم، لكن قيل: لا يلزمه شيء، لأنه لم يترك الواجب كاملًا، إذ الواجب المبيت هذه الليالي، فإذا ترك ليلة لم يلزمه الدم؛ لأنه لم يترك الواجب كله وهو لا يتجزأ، وقيل: يلزمه أن يتصدق بشيء، أي شيء يكون مدًّا من طعام أو قبضة من طعام أو أي شيء، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وأما أن يلزم بدم مع أنه لم يدع الواجب كله فلا وجه له.

إذا قلنا: بالوجوب فهل يسقط هذا الواجب عن أحد؟

نقول: إن الإنسان إذا تركه للتشاغل بمصالح الناس [في الحج] فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للعباس أن يدع المبيت من أجل السقاية، وأذن للرّعاة الذين يرعون إبل الحجاج أن يدعو المبيت أيضًا، لأنهم يشتغلون بحاجة عامة، ومثل ذلك في وقتنا الحاضر -جنود الأمن أو جنود تيسير الحجاج، ومن ذلك أيضًا الأطباء الذين يتلقون المرضى في المستشفيات فإنه يسمح لهم في ترك المبيت وكل من يشتغل بمصلحة عامة يعذر في ترك المبيت قياسًا على السقاية

<<  <  ج: ص:  >  >>