للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاف؛ من العلماء من يقول: لابد أن يرمي الثلاث عن نفسه أولًا ثم يعود من الأولى لمستنيبه، وحجتهم في ذلك يقولون: إن رمي الجمرات الثلاث عبادة واحدة ليس كل واحدة عبادة مستقلة، والدليل لذلك: أنه يشرع الدعاء بين الأولى والوسطى والوسطى والثالثة وإذا رمى الثالثة لا يشرع الدعاء وهذا دليل على أنها عبادة واحدة يشرع الدعاء في جوفها لا بعد الانفصال عنها، إذن فلابد أن ترمي أولًا عن نفسك واحدًا اثنين ثلاثة ثم تعود وترمي عن موكلك، وعللوا أيضًا قالوا لأنه إذا رمى عن نفسه أولًا في الجمرة الأولى، ثم عن وكيله فاتت الموالاة؛ لأنه فصل بين رميه الأولى والثانية بالرمي عن صاحبه فأدخل عبادة في جوف عبادة فلا تصح، وقال بعض العلماء: بل يجزئ أن يرمي عنه وعن وكيله في مكان واحد، واستدلوا لذلك بظاهر فعل الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم كانوا يرمون عن الصبيان، وظاهر النقل أنهم لا يرمون أولًا عن أنفسهم ثم يعودون؛ لأنهم لو كانوا يفعلون ذلك لبينوه ونقلوه، وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله يرى الرأي الأول ويفتي به، فأخبرته برأي شيخنا الثاني عبد العزيز بن باز واستدلاله بهذا الحديث فاستحسنه، على أنه يجوز أن يرمي الرجل عنه وعن موكله في مكان واحد في موقف واحد، لاسيما في مثل حال الناس اليوم في هذا الزحام الشديد المرير، فإن إلزام الناس بأن يكملوا عن أنفسهم ثم يرجعوا لموكلهم، وإذا كان قد وكلهم اثنان فإنهم يرجعون مرتين، إذا وكلهم ثلاثة يرجعون ثلاث مرات وهلم جرًّا فهذا فيه مشقة في هذه العصور، وكل شيء فيه مشقة لا ينبغي أن تلزم الناس به إلا بدليل، لابد من العمل به، فما دامت الأدلة متكافئة أو متقاربة والمسألة ليس فيها رجحان بيِّن فإلزام الناس بهذا العمل الشاق قد يتوقف فيه الإنسان؛ لأن الإنسان ليس له أن يمنع عباد الله بما أحله لهم ولا أن يلزمهم بما لم يلزمهم الله به إلا بدليل لأنك مسئول، العالم مسئول عن توجيه الناس كما أن الأمير الذي ينفذ ويؤدب، لو أن مسئولًا ضرب أحدًا ضربًا زائدًا عن المشروع فإنه سيسأل عنه عند الله، القاضي يجلد ثمانين لو قال: ضعوا واحدًا وثمانين سئل عنه أمام الله وكذلك أنت أيها العالم، لو قلت عن شيء أنه مستحب والأصل أنه واجب كم زدت من سوط؟ فالمسألة ليست سهلة؛ ولهذا نحن في الحقيقة نوجه أنفسنا أولًا وإخواننا طلبة العلم ثانيًا إلى أن يتثبتوا في مسألة الإلزام، ومسألة الاحتياط أو الاستحباب، هذا أمره أهون، لكن مسألة الإلزام تحليلًا أو تحريمًا أو إيجابًا، هذه مسألة تحتاج إلى شيء تثبت به قدمك عند الله إذا سألك يوم القيامة، بعض الناس تجده من شدة غيرته على دين الله يغلب جانب التحريم وبعض الناس لمحبته لتأليف الناس وعرض الدين عليهم ميسرًا تجده يتساهل ويقول: كل شيء زين دعوه يمشي هذا خطأ، الواجب أن تمشي على دين الله، وثق بأنك لو مشيت على دين الله تصلح فلن يصلح عباد الله إلا دين الله أبدًا مهما فكرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>