للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرم الله عليهم شحوم البقر والغنم إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، لكن ماذا فعلوا؟ يقول: "جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه"، جملوه، أي: أذابوه، وقالوا: لا نأكله لكن ذوَّبه وبعه واشتر بثمنه ما تأكله، فهذه حيلة على محارم الله عز وجل، ودعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بان الله يقاتلهم تحذيرًا من فعلهم وتنفيرًا عنه؛ لأن من فعل كفعلهم استحق ما يستحقون؛ إذ إن البشر عند الله على حد سواء: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: ١٣]. فالعاصي من هذه الأمة بما عصت به بنو إسرائيل يوشك أن يلحقه من العقوبة ما لحق بني إسرائيل.

وهذا الحديث -كما نشاهد -فيه فوائد كثيرة منها: أولًا: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إبلاغ الأمة في المناسبات، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أرشد الأمة إلى أحكام كثير تتعلق بمكة وإلى أحكام كثيرة كان المشركون قد تعلقوا بها، ففيه: مراعاة المناسبات في الخطب والتوجيهات والمواعظ، ويتفرع على هذا: أنه ينبغي للداعية والخطيب أن يتحرى المناسبات اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد هذا -أي: مراعاة المناسبات -: أن الشيء إذا جاء والناس يتشوفون إليه كان أوقع في نفوسهم وأشد تأثيرًا، ولهذا لو أن أحدًا في هذا اليوم قام يخطب الناس أو يعظ الناس فيما يتعلق بالصيام أو بالحج هل يكون له تأثير كما لو فعل ذلك في أيام الصيام أو الحج؟ الجواب: لا، وإنما كل شيء في مناسبته له تأثير أكثر وأبلغ.

ومن فوائد هذا الحديث: عظم هذا البيع الذي بين الرسول تحريمه؛ لأن نسبة التحريم إلى الله يدل على العناية به، ولأن نسبة التحريم إلى الله أشد وقعًا على المؤمن مما لو قيل لا تبع كذا لو قال لا تبع الخمر والخنزير والأصنام لا شك أن المؤمن يتأثر بهذا ولكن لو قال: "إن الله حرم" هذا يكون أشد وأبلغ في النفس.

ومنها أيضًا: هذه الصيغة كما أنها أبلغ من حيث إنها نسبت إلى الله عز وجل فهي أبلغ من حيث إنه صرح فيها بالتحريم: "إن الله حرم"، لو كان نهيًا هكذا "لا تبيعوا" لادعى مدي أن النهي للكراهة لكن بعد أن قال: "إن الله حرم" لا يمكن دعوى الكراهة بل هي نص في التحريم.

ومن فوائد الحديث: تحريم الخمر والميتة والخنزير والأصنام؛ لأن ما حرم بيعه فهو محرم ثمنه، أي: ثمنه المقابل لهذا الشيء المحرّم، فانتبهوا لهذا القيد لأجل ألَّا يرد علينا أن الحمار حرام وبيعه حلال بالإجماع، لكن لو اشترى الحمار ليأكله صار حرامًا، ولهذا نقول: إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه إذا كان الثمن مقابل هذا الشيء المحرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>