للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميتة المحرمة؛ لقوله: "إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه"، أما المعنى: فنقول: إنما حرم بيع الميتة لأنه لا ينتفع بها، والميتة الحلال ينتفع بها، وما كان منتفعًا به على وجه حلال فإن الشرع لا يمكن أن يمنع بيعه لما في ذلك من الحجر على الناس في تعميم الانتفاع به؛ لأنَّا لو قلنا: هذا الشيء الحلال لا يجوز بيعه معناه: أننا حجرنا على الناس في تعميم الانتفاع به فصار لا ينتفع به إلا من كان بيده أو إذا ما أعطاه على سبيل الهدية والصدقة وما أشبه ذلك. صار يستثنى من هذا أي شيء؟ الميتة الحلال كالسمك والجراد، وقد عرفتم الدليل والتعليل في ذلك.

العموم الثاني: قولنا: "كل الميتة"، أي: كل أجزاء الميتة حرام بيعها هذا أيضًا ليس على عمومه؛ لأنه يستثنى منه ما لا تحله الحياة، فبيعه حلال بالاتفاق كالشعر والوبر والصوف والريش هذا بيعه حلال بالاتفاق؛ لأنه لا يدخل في مسمى الميتة، ولهذا يجزَّ وينتفع: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين} [النحل: ٨٠]. ولو كان من الميتة لكان إذا جزّ لا ينتفع به؛ لأن ما أبين من حي فهو كميتته.

إذن يستثنى من الميتة ما لا تحله الحياة؛ كالشعر والوبر والصوف والريش، هذه الأربعة ما الفرق بينها؟ الصوف للضأن، والوبر للإبل، والشعر للمعز، والبقر والريش للطير، هذه يجوز بيعها فإذا ماتت البهيمة مثلًا وجز الإنسان صوفها أو شعرها أو وبرها فله بيعه، وكذلك لو قص ريشها فله بيعه بالاتفاق؛ لأن الحياة لا تحله، وهل تباع الأظلاف؟ الأظلاف للبهيمة التي بمنزلة الأظفار للإنسان هل تباع؟ الظاهر أنها من جنس الظفر بعضها تحله الحياة وتتألم به وبعضها لا، فما لا تحله الحياة كالظفر فإنه يجوز بيعه إن انتفع به، وإن لم ينتفع به منع من بيعه لا لأنه جزء ميتة، ولكن لأن في بذل المال فيه إضاعة للمال.

عظام الميتة تحل بيعها؛ لأنها تدخل في عموم قوله: "الميتة" واختار شيخ الإسلام رحمه الله جواز بيع العظام معللًا ذلك بأن الحياة لا تحل العظم، لأنه ليس فيه دم؛ ومدار تحريم الميتة على الدم، ولهذا إذا كان الحيوان مما لا دم فيه فعظم ميتته طاهرة وما ليس فيه دم فإن ميتته طاهرة.

قال: إذن فالعظام طاهرة، وإذا كانت طاهرة جاز بيعها، لكن جمهور أهل العلم على خلاف قوله وهو الأقرب من لفظ الحديث؛ لأن الميتة في الواقع إذا قيل "ميتة" فلا يتبادر إلى الذهن إلا أن لفظ شامل لكل الميتة، وقول شيخ الإسلام: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما حرم من الميتة أكلها والعظام لا تؤكل. جوابه أن يقال: بل قد تؤكل.

هل يشمل هذا الحكم الجلد - جلد الميتة - أو لا؟ نقول: الحديث يشمله؛ لأن الجلد جزء من الميتة تحله الحياة، إذن فلا يجوز بيع جلد الميتة وإن سلخ وانفصل منها؛ لأنه جزء منها،

<<  <  ج: ص:  >  >>