للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معظمون عندهم يتحاكمون إليهم، فيعطونهم عند التحاكم ما يعطونهم من الأجرة، وتسمى حلوان الكاهن، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن حلوان الكاهن، النهي هنا هل هو نهي للباذل أو للآخذ؟ يعني: نهى أن نعطي ثمنًا على الكلب أو أن نأخذه؟ من الذي سينتفع؟ كل منهما سينتفع لكن الذي سينتفع بالثمن هو الآخذ، فيكون النهي منصبًّا عليه بالذات، لكنه يشمل البائع؛ لأنه معين على الباطل، والمعين على الباطل مشارك لفعله، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله فمثلًا: النهي في الأصل منصبٌّ على الآخذ وهو الذي يأخذ الثمن، لكن المعطي وهو البائع يدخل من باب أنه ساعد هذا وأعانه على الشيء المحرم.

وعلى كل حال: نحن الآن نقول: البائع هو الذي يأخذ الثمن، فيكون النهي هنا منصبًّا على البائع في الأصل، لكن المشتري يمنع من ذلك ويحرم عليه أو ينهى عن ذلك؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، كذلك أيضًا مهر البغي من المنهي؟ كالأول، المهر من الذى ينتفع به؟ الجواب: الزانية فهي الآخذة، إذن ننهى عنه في الأصل ويكون ذلك بالتعاون والتبعية، "حلوان الكاهن"، الكاهن هو الذي سينتفع به، ويكون لذلك من باب التبعية والمعاونة.

وفي هذا الحديث عدة فوائد: الأولى: تحريم ثمن الكلب، ويؤخذ من قوله: "نهى عن ثمن الكلب"، والأصل في النهي التحريم.

ومن فوائده أيضًا: أن ظاهر الحديث شمول النهي عن ثمن الكلب ولو كان معلَّمًا يصاد به؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستثن، بل لو قال قائل: إن دخول كلب الصيد والحرث والماشية يدخل في الحديث دخولًا أوليًّا، لو قال قائل هكذا لقلنا: هذا هو الصواب، لماذا؟ لأن غير هذه الكلاب لا تباع ولا تشترى، وبهذا نعرف أن استثناء كلب الصيد والحرث والماشية لا وجه له؛ لأنه كيف نأخذه من العموم والظاهر أنه هو المراد، فإن وجدنا شخصًا عنده كلب ماشية وأبى أن يعطيه أحدًا يحتاج إليه إلا بثمن، قلنا: هنا يجوز أخذه منه استنقاذًا، والإثم على الآخذ البائع الذي باع الكلب، مع أن البائع الذي باع الكلب إذا كان مستغنيًا عنه لا يحتاج إليه حرم عليه اقتناؤه فضلًا عن بيعه.

ومن فوائد الحديث: أن الكلب غير متقوَّم؛ يعني: لو أتلف كلب الصيد أو الحرث أو الماشية فلا قيمة له شرعًا؛ لأنه لو كان له قيمة لجاز له الثمن، إذ إن القيمة عوض عن العين المتلفة، والثمن عوض عن العين الفائتة عن صاحبها، وفي كلٍّ منهما حرمان لصاحب الكلب من منفعته، وهذا القول هو الراجح أنه لا قيمة له وأن إتلافه هدر، فإن قال صاحب الكلب الذي أتلف كلبه: كلبي غالٍ عندي، أحيانًا يقول البدوي: كلبي يساوي ولدي غالٍ عندي جدًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>