للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثبوت الخيار فرع عن صحة البيع، وحينئذ يكون البيع صحيحًا وللبائع المتلقى الخيار إذا وصل السوق، ويمكن أيضًا أن تنزل على القواعد، فيقال: إن النهي هنا لا يعود إلى معنى يتعلق بالمبيع، وإنما يعود إلى معنى يتعلق بالبائع، حيث إنه يخدع فيشترى منه برخص، والشارع جعل الأمر الذي يتعلق بالعاقد يملك فيه العاقد المغبون الخيار مع صحة البيع، بدليل أنه قال: "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعده فهو بالخيار إن شاء أمسك وإن شاء ردّها وصاعًا من تمر"، إذن الجلب نقول: إنه إذا تلقى واشترى فالشراء صحيح، لكن للجالب الخيار إذا وصل السوق فإن كان مغبونًا رد البيع وإن كان غير مغبون فالخيار له.

من فوائد الحديث: تحريم بيع الحاضر للبادي لقوله: "لا يبع حاضر لباد".

ومن فوائده: أن ظاهر الحديث أنه لا يبيع له مطلقًا، سواء قصد الحاضر البادي أو قصد البادي الحاضر، أي: سواء ذهب صاحب البلد إلى القادم وقال: أبيع لك سلعتك، أو جاء القادم إلى البلد وجاء إلى الرجل وقال: خذ هذه السلعة بعها.

فإن ظاهر الحديث: أن كلتا الصورتين حرام لعموم قوله: "لا يبيع حاضر لباد"، وقال بعض أهل العلم: إنه إذا قصده البادي فلا بأس أن يبيع له ولو على وجه السمسرة؛ وذلك لأن البادي لا يريد أن يبيعها بيع باد بدليل أنه هو الذي جاء إلى الحاضر، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله على أنه إذا قصده البادي فلا بأس أن يبيع له؛ لأن البادي لا يريد أن يبيع بيع البدوي ولكن أراد أن تباع بيع الحاضر.

ثانيا: ظاهر الحديث: أنه لا فرق بين أن يكون البادي عالمًا بالسعر أو جاهلًا به، مع أنه إن كان عالمًا فإن المقصود يفوت؛ لأنه إذا كان عالمًا بالسعر فلن يبيعها إلا كما يبيع الناس، فظاهر الحديث أنه لا يبيع له سواء كان عالمًا بالسعر أو لم يعلم، والمشهور من مذهب الحنابلة أيضًا: أنه إذا كان يعلم بالسعر فلا حرج أن تبيع له؛ لأن المعنى الذي نهى الشارع من أجله عن بيع الحاضر للبادي مفقود في هذه الصورة، أي: فيما إذا كان البادي عالمًا بالسعر؛ لأنك سواء جئت إلى الحاضر أو لم تأت فلن يبيع إلا بالسعر، ويفوت على أهل البلد الربح والفائدة.

ثالثًا: ظاهر الحديث: أنه لا فرق بين أن تكون السلعة مما يحتاجه الناس كالأطعمة والألبسة، أو مما لا يحتاجه الناس كالأشياء الكمالية، فلو أن الجالب جلب طعامًا أو جلب أشياء ترفيهية لا يحتاج الناس إليها فالحكم سواء لكن فقهاء الحنابلة اشترطوا أن يكون بالناس حاجة إليها، فإن لم يكن بالناس حاجة إليها فلا حرج أن يبيع الحاضر للبادي، ولكن ينبغي أن نأخذ بظاهر الحديث إلا بدليل واضح يدل على التخصيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>