للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلاه، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخفين، كيف؟ لأن بادئ الرأي ذا بدء أن يكون الأسفل أولى من التطهير من الأعلى، لأن الأسفل هو الذي يلاقي النجاسة والأوساخ، ولكن نحن نقول إن الرأي الصحيح المبني على التأني موافق للحكم الشرعي ويدل على صحة الحكم الشرعي، ويشهد له بالاعتبار، كيف ذلك؟ لأن هذا المسح لا يعطي تنظيفًا، وإنما هو مجرد تعبد لله عز وجل ولو أننا مسحنا أسفل الخف لزدناه تلويثًا بهذا المسح؛ لأنه لن يتطهر به وتلوثت اليد، وبهذا نعرف أن الدين موافق للرأي، لكن الرأي الصحيح المبني على التأني، وحينئذٍ نقول: إن تنفيذ تصرف الفضولي عند الإجازة جائز موافق للنظر الصحيح والقياس، وقول هؤلاء: إن التصرف وقع من غير أهله لأنه ليس بمالك ولا قائم مقام مالك، نقول: نعم، هو كذلك، لكن المالك أجازه، والأصل في منع صحة التصرف من غير مالك أو من يقوم مقامه، أن ذلك لحماية أموال الناس، وعدم الاعتداء عليهم، فإذا وافق صاحب المال فما المانع؟ إذن هذا الحديث يدل على تصرف الفضولي وهو الصحيح.

ومن فوائد الحديث: جواز بيع الأضحية بعد التعيين، هكذا الذي ذكره بعض العلماء، ولكن هل فيه دليل؟ ليس فيه دليل؛ لأن عروة رضي الله عنه إن كان عالمًا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريدها أضحية فليس له حق التعيين.

ثم نقول: إن عروة لم يعيِّن تلك الشاتين؛ لماذا؟ لأنه يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يضحي بواحدة، فلا يمكن أن يعيِّن تلك الشاتين بل هو عيَّن واحدة قطعًا إن كان قد عيّن، هو لم يعيّن، وإن فرض أنه عيَّن فلن يعيِّن أكثر من واحدة، ومن المعلوم أنه إذا عين واحدة من هاتين الشاتين لتكون أضحية واختارها، فلن يبيع الذي عيِّن وسيبيع غير المعينة، وحينئذ لا يكون في هذا الحديث دليل على جواز بيع الأضحية المعينة؛ إذن نفهم أن الأضحية المعينة لا يجوز بيعها وهو كذلك، فإذا قال: هذه أضحية عني وعن أهل بيتي صارت كالمنذور ويجب ذبحها ولا يجوز أن يبيعها، وهل يجوز أن يبدلها بخير منها؟ الصحيح: أنه يجوز أن يبدلها بخير منها، ودليل ذلك: أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فقال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي ركعتين في بيت المقدس فقال: صلِّ هاهنا، فأعاد عليه فقال: صل هاهنا، فأعاد عليه فقال: شأنك إذن، فأباح له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدع المعيَّن بالنّذر إلى ما هو أفضل منه، فدلّ ذلك على أن نقل الإنسان الشيء الذي أخرجه لله إلى ما هو أنفع وأفضل

<<  <  ج: ص:  >  >>