للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا النهي عن شراء العبد وهو آبق على إطلاقه، أو نقول: إنه إذا قدر الإنسان المشتري على رد هذا العبد الآبق جاز الشراء، من نظر إلى ظاهر اللفظ قال: إن النهي عام، وقد تظن أنك قادر على رده ولكن لا تستطيع، ومن نظر إلى المعنى قال: إنه إذا كان الإنسان قادرًا على رده فلا بأس، لأن الحكم يدور مع علته؛ فإذا كان هذا عنده من وسائل الطلب ما يستطيع به أن يرد هذا الآبق كرجل مثلاً عنده سيارة جيب تجوب الرمال والجبال حتى يجد هذا الرجل، فلا بأس بشرائه الآبق: وأما إذا لم يكن عنده ولكنه خاطر فإن هذا لا يجوز.

ومن فوائد الحديث: "وعن شراء المغانم حتى تقسم" النهي عن شراء المغانم حتى تقسم، وكما في الجملة الأولى أن النهي يقتضي الفساد، وفي هذه الجملة دليل على أن المغانم تملك لقوله: "حتى تقسم"، وهو كذلك، فإن الغنائم أحلت لهذه الأمة ولم تحل لأمة قبلها، أحلت لهم ليستعينوا بها على الجهاد في سبيل الله، وعلى حوائجهم الأخرى، أما الأمم السابقة فإن الغنائم لا تحل لهم، وقد ذكروا أنها كانت تجمع في مكان وتنزل عليها نار من السماء فتحرقها.

ومن فوائد هذه الجملة: أن المغانم مشتركة لقوله: "حتى تقسم"، والقسم يكون بعد الاشتراك، ولكن بين من؟ قال العلماء: الغنيمة لمن شهد الوقعة من أهل القتال، وأما من ليس من أهل القتال فليس لهم سهم، ولكن يعطى منها شيئًا لا يبلغ حد سهم المقاتل.

ومن فوائد الحديث: في قوله: "وعن شراء الصدقات حتى تقبض" أي: أن شراء الصدقات لا يجوز ممن استحقها حتى يقبضها، والعلة في ذلك أولاً: عدم الملك، وهذا فيما إذا لم يعين نصيبه في شيء من الصدقة، فإن عين نصيبه في شيء من الصدقة فإن العلة عدم تمام الملك؛ لأنه لا يتم ملكه حتى يقبضها، فلو قال الساعي الذي يجبي الزكاة لخمسة فقراء لكم كذا وكذا من الزكاة صار الآن مشتركًا معينًا مملوكًا، لكنه لا يتم ملكه حتى يقبضه أصحابه، فإذا قبضوه جاز بيعه، وعلم من هذا الحديث أنه إذا قبضت جاز بيعها وإن لم تقسم؛ ولهذا صرح في المغنم قال: "حتى تقسم" وفي الصدقات قال: "حتى تقسم" فإذا قال الساعي لجماعة من الفقراء خمسة: هذا لكم، فإذا قبضوه وحازوه جاز لأحدهم أن يبيع نصيبه منه، فإذا كانوا خمسة كم لكل واحد؟ الخمس، وجاز أن يبيعوه جميعًا وإن لم يقسم؛ لأنه كسائر الأملاك المشتركة.

ويستفاد من هذا الحديث: من قوله: "وعن ضربة الغائص" جواز الغوص في البحر لطلب الدُّرر وغيره مما هو موجود في البحر، وهذا مقيَّد بما إذا كان الغالب السلامة، فإن كان الغالب الهلاك فالغوص حرام؛ لقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا} [النساء: ٢٩]. وإن تساوى الأمران فالاحتياط التحريم؛ لأن من القواعد المقررة: "أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر غلّب

<<  <  ج: ص:  >  >>