للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يترك المحبوب إلا لما هو أحب منه، وما هو الذي أحب من المال بالنسبة للمتصدق؟ الثواب الذي يحصل له، فكونه يبذل ما يحب في هذه الدنيا رجاء لما يحبه في الآخرة دليل على صدق إيمانه، ولهذا سمي بذل المال تقربا إلى الله صدقة، فإن قصد به التودد والمحبة فهو هدية، وإن قصد به نفع الغير فقط دون التودد والمحبة ودون التقرب إلى الله فهو هبة، فبذل المال إذن إن أريد به التقرب إلى الله فهو صدقة، إن أريد به التودد فهو هدية، إن أريد به نفع المعطي فقط بقطع النظر عن كون الإنسان يتقرب إلى الله أولا يتقرب فهذا هبة، المراد هنا: «تصدقوا عليه» أي: أعطوه مالاً متقربين بذلك إلى الله، فتصدق الناس عليه امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ ذلك وفاء دينه، يعني: لم يصل إلى وفاء الدين مثل أن يكون دينه ألف درهم فجمع له خمسمائة فهنا المجموع لم يصل إلى حد الدين ولم يف به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لغرمائه: «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك» ما الذي وجدوه؟ الذي وجدوه ما تصدق به الناس؛ لأن الرجل أفلس ما بقي عنده شيء.

فإذا قال قائل: بماذا كثر دينه وكيف أفلس، هل لأن الثمار فسدت وصار ضمانها عليه، أو لغير ذلك؟

الجواب: أن العلماء اختلفوا في هذا؛ فقيل: لأن الثمار فسدت، وإذا فسدت نقصت قيمتها، أو عدمت بالكلية، قالوا: وهذا دليل على أن قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا بعت من أخيط ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ » دليل على أن هذا الحديث إنما هو سبيل الاستحباب، أعني قوله: «فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً» وعلى هذا القول تكون الجوائح غير موضوعة، فجعلوا هذا الحديث معارضاً للحديث السابق، وجمعوا بينهما بأن الحديث السابق على وجه الاستحباب، وأن لبائع الثمار أن يلزم من اجتيحت الثمار عنده بالقيمة كاملة، ولكن هذا الجمع غير صحيح، لأن مبني على فهم غير صحيح مبني على أن بين الحديثين تعارض، والواقع أنه ليس بينهما تعارض، بل كل واحد منهما له وجه، كيف ذلك؟ نقول: الرجل في حديث أبي سعيد يحتمل أنه أصيب بنزول السعر، فمثلاً إذا اشترى بعشرة آلاف، إذن هو أصيب بنزول السعر هذا وجه، ويحتمل أنه أصيب بثمار، أي: أخر جزها عن وقت العادة، فجاءت الأمطار فأصابتها، وفي هذه الحال الضمان على المشتري؛ لأنه هو الذي فرط بتأخير جزها في أوانه، والبائع ليس منه تفريط، إذن فللحديث هنا وجهان:

الوجه الأول: أن تكون الثمار رخصت فنقص، والثاني: أن يكون أخر جزها عن عادته فأصيب

<<  <  ج: ص:  >  >>