للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأمطار أو ما أشبه ذلك، وبهذا عرفنا أن هذا الحديث له وجه والحديث الأول له وجه آخر، وأما حمل الحديث الأول على الاستحباب، فهذا لا يمكن؛ لأن لفظ الحديث يمنع من هذا حيث قال: «فلا يحل لك ... إلخ» فكيف تحمل هذا على الاستحباب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «فلا يحل لك» ويعلل هذا بأنك أخذته بغير حق؟ فالحمل هذا ضعيف، ولهذا نعرف أن مدارك أهل العلم تختلف اختلافاً عظيماً، والآفة تأتي من كون الإنسان يعتقد أولاً ثم يستدل ثانياً، لأنه إذا اعتقد أولاً أن الحكم كذا وكذا صار كلما أتى نص يخالف ما يعتقد حاول أن ينزله على ما يعتقد، وهذه آفة عظيمة، هذه الطريق توجب أن يكون الإنسان قد جعل النصوص تابعة لا متبوعة، والواجب على الإنسان أن يجعل النصوص متبوعة لا تابعة حتى يسلم من هذه الآفة.

يستفاد من هذا الحديث فوائد: أولاً: أنه لا حاجة إلى العناية باسم صاحب القضية لقوله: «أصيب رجل» وكثير من الناس يتعب في تعين صاحب القضية، وربما يقضي أوقاتاً كثيرة في مراجعة بطون الكتب لعله يعرف من هذا وهذا لا حاجة إليه، إذ إن المقصود بالقضية معرفة الحكم الناتج عن مجريات أمورها.

ومن فوائد الحديث: جواز بيع الثمار على رءوس النخل لقوله: «في ثمر ابتاعها» هذا هو الظاهر، مع أنه يحتمل أن الرجل ابتاع الثمار بعد جزها، وهذا وجه ثالث أضيفوه إلى الوجهين السابقين حتى لا يكون هذا معارضاً للحديث الأول.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي لذي الجاه المطاع أن يشفع لمن أصيب، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة عليه، هذا الأمر هل هو للوجوب؟ لا، ولكن للمشورة والاستحباب، وقرينة ذلك أنه أمر بالصدقة، والصدقة ليست بواجبة.

ومن فوائد الحديث: مبادرة الصحابة- رضي الله عنهم- إلى امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: «فتصدق الناس عليه» والفاء تفيد الترتيب والتعقيب.

ومن فوائد الحديث: أنه لا حق للغرماء فيما زاد على ما عنده لقوله: «وليس لكم إلا ذلك» ولكن هل هذا يعني سقوط بقية الدين، أو أن المراد سقوط الطلب ببقية الدين؟

الصحيح: أن المراد به الثاني سقوط الطلب ببقية الدين، لا أن الدين يسقط.

فإذا قال قائل: ما الذي حمل الحديث على ذلك مع أن ظاهره خلافه؟

الجواب: أن نقول: إن الدين لما ثبت في ذمته صار مالاً للغير، ومال الغير لا يسقط إلا بإسقاط لقول الله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراضي منكم} [النساء: ٢٩] فما دام صاحب الدين لم يرض بسقوط ما بقي فهو له.

فلو قال قائل: لو مات المفلس في هذه الحال قبل أن يقدر على وفاء دينه فهل يأثم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>