للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأخذ على كتاب الله له ثلاث صور]

الصور الأولى: أن يأخذ أجرًا على التلاوة.

الصورة الثانية: أن يأخذ أجرًا على تعليم القرآن.

الصورة الثالثة: أن يأخذ أجرًا على الاستشفاء به، هذه ثلاث صور فأيها المراد؟

نقول: إن السنة دلت على أن المراد بذلك صورتان: الصورة الأولى، التعليم، والثانية الاستشفاء، أما مجرد التلاوة فإن الأدلة تدل على تحريم ذلك، مثال التلاوة: ما يصنعه بعض الناس الآن من أنه إذا مات الميت أتوا بقارئ يقرأ القرآن، يقولون: إنه لروح الميت، وهذا العمل حرام؛ لأنه لا يجوز أخذ الأجرة على مجرد القراءة، وهو كذلك بدعة؛ لأن السلف لم يكونوا يفعلونه، فهو حرام من جهة أخذ الأجرة على القراءة ومن جهة كونه يدعه، ولهذا يعتبر صرف المال لهذا العلم إضاعة للمال، ولا يجوز لأحد أن يفعل ذلك، فإن قال: المال لي بعد انتقاله من الميت، قلنا: نعم هو لك لكن أضعته وإضاعة المال حرام، فكيف إذا كان في الورثة صغار وأخذ هذا من نصيبهم يكون أشد وأشد، ثم إن الميت لن ينتفع بهذه القراءة، حتى على القول بأن الميت إذا قرئ له شيء ينفعه، فإن في هذا لا ينتفع به، لماذا؟ القارئ ليس له أجر، ووصول الأجر إلى الميت فرع عن ثبوت الأجر للقارئ، والقارئ هنا لا أجر له؛ لأنه أراد بعلم الآخرة الدنيا، وكل عمل للآخرة فإنه لا يجوز أن يجعل للدنيا لقول الله تعالى: {كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وبطل ما كانوا يعملون} [هود: ١٥، ١٦]. إذن هذه الصورة حرام بدليل الآية التي سقتها لكم.

الصورة الثانية: أن يأخذ على القرآن أجرًا على تعليمه يقول: أنا أعلمك كل سورة بكذا فهذا على القول الراجح جائز لدخوله في عموم قوله: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله"، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي طلب منه أن يزوجه المرأة التي وهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم قال له: «ألتمس ولو خاتمًا من حديد» فقال: لا أجد شيئًا فقال: «أمعك شيء من القرآن؟ » قال: نعم سورة كذا وكذا، فعلهما، فقال: «قد زوجتكما بما معك من القرآن»، فجعل تعليمه لها مهرًا، والمهر لا يكون إلا مالاً؛ لقوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم} [النساء: ٢٤]. وإذا كان مالاً صح عقد الأجرة عليه، إذن فتعليم القرآن يجوز أخذ الأجرة عليه حتى مع المعاقدة، بأن يقول: لا أعلمك إلا بكذا، أما المكافأة على التعليم فلا شك في جوازها.

الصورة الثالثة: الاستشفاء به بأن يكون مريض يذهب إلى قارئ يقرأ عليه من أجل أن يبرأ من مرضه فهذا أيضًا جائز؛ لأن هذا العوض في مقابلة قراءته التي يراد بها الاستشفاء فهي

<<  <  ج: ص:  >  >>