للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٧٨ - وعن ابن عباس رضي الله عنه أن الصعب بن جثامة رضي الله عنه أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا حمى إلا لله ولرسوله». رواه البخاري.

ابن عباس صحابي، والصعب بن جثامة صحابي أيضًا، وقد كان كريمًا مضيافًا عداء يسبق الظباء، ولما نزل به الرسول صلى الله عليه وسلم بودان أتى له بحمار وحشي وأهداه إليه، وقيل إنه ذبحه وأتى بلحمه؛ فرده النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم»؛ لأنه لما رده صار في وجهه شيء، أي: تغير وجهه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، يعني: إنا محرمون مع أن أبا قتادة رضي الله عنه اصطاد حمارًا وحشيًا وأكل منه أصحابه وهم محرمون، ولكن الجمع بينهما أن أبا قتادة لم يصطده لأصحابه، وإنما اصطاده لنفسه، وأطعم أصحابه منه، وأما الصعب بن جثامة فاصطاده للرسول صلى الله عليه وسلم، والصيد إذا صيد من أجل المحرم صار حرامًا على المحرم، وإن كان لم يصده.

يقول: أخبره أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا حمى إلا لله ورسوله»، الحمى معروف، وهو في اللغة: المنع، ومنه الحمية وهي الامتناع عن شيء معين من الطعام أو غيره، فالحمى معناه: المنع، وهو عبارة عن منع أرض معينة يحميها الرئيس أو الشريف في القبيلة حتى لا يرعاها أحد، وتبقى هي لرعي إبله وغنمه ويشارك الناس في مراعيهم، كانوا في الجاهلية يفعلون هذا؛ يحمي السيد أو الشريف أو الكبير في قومه أرضًا يقول: لا يسمها احد ولا يقربها أحد لتكون لمن؟ لماشيته من إبل أو بقر أو غنم، وهو مع ذلك يشارك الناس في بقية المراعي وهذا ظلم واضح، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا، وقال: «لا حمى إلا لله ورسوله»، لا حمى إلا لله: الله عز وجل غني عن كل شيء، ولا يحتاج إلى أحد يحمي له؛ لأنه يطعم ولا يطعم، ولكن ما أضيف إلى الله من مثل هذه الأمور، فالمراد به المصالح العامة مثل: إبل الصدقة أو خيل الجهاد، وما أشبه ذلك، فإذا حمى ولي الأمر أرضًا لإبل الصدقة، أو لخيل الجهاد، أو لإبل الجهاد، أو ما أشبه ذلك من المصالح العامة فإن ذلك جائز؛ لأنه يحمي لله لا يدخل عليه شيء ولا يختص بشيء دون المسلمين يحمي شيئًا للمسلمين، وهو في الواقع أن هذا الحمى لله، أما قوله: "ولرسول الله": فقد اختلف فيها أهل العلم، فقيل: المراد بذلك ما كان للرسول صلى الله عليه وسلم شخصيًا، يعني: أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحمي ما شاء لنفسه هو - يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم - له أن يختط أرضًا معينة، ويقول: هذه لي، وعلى هذا القول فاختلف العلماء: هل ذلك من خصائصه، بمعنى: أن غيره من ولاة الأمور ليس لهم الحق أن يحموا لأنفسهم، أو أن ذلك له ولمن كان بمنزلته من ولاة الأمور الذين لهم الولاية العامة؟ على قولين، أما القول الثاني في أصل المسألة فيقولون: إن عطف الرسول على

<<  <  ج: ص:  >  >>