للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما بالغ عاقل رشيد، والثاني صغير فأجاز الكبير والصغير فهل الإجازة نافذة؟ نافذة في حق الكبير دون الصغير؛ لأن الصغير لا يصح تبرعه ومشيئته وجودها كعدمها بخلاف الكبير.

يُستفاد من هذا الحديث فوائد منها: أن المعطي هو الله (عز وجل) فهو الذي يُعطي من شاء ويمنع من شاء، ولهذا جاء في الحديث: «ولا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت» وليعلم أن إعطاء الله تعالى نوعان: إعطاء شرعي، وإعطاء كوني، فالمواريث من إعطائه الشرعي والاستحقاق من الزكاة وقسم الزكاة بين أهلها من إعطائه الشرعي، قسم الغنائم من إعطائه الشرعي، كون الله (عز وجل) يرزق هذا الإنسان مالاً كثيرًا دون أخيه هذا إعطاء كوني، الإعطاء الكوني لا يمكن لأحد أن يتدخل فيه؛ لأن الإنسان لا يملك أن يرزق الناس أو أن يمنعهم رزق الله، الإعطاء الشرعي يمكن لأحد أن يتدخل فيه، ولكنه ممنوع من تعدي الحدود الشرعية، ولهذا لما قسّم الله المواريث قال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وذلك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: ١٣، ١٤].

فالإعطاء الشرعي لا يمكن لأحد مجاوزته بل يجب أن ينفذ على ما أمر الله ورسوله، الإعطاء الكوني قلنا: لا أحد يستطيع أن يمنع رزق الله عن أحد أو يرزق أحدا منعه الله لكن ربما بالعدوان يعتدي أحد على أحد فيسلبه ماله فهنا حصل اعتداء، ولكنه في الأصل لا يمكن أن يملك منع هذا الرزق عن هذا الرجل، إنما يملك التسلط عليه بعد وجوده هذا ممكن، ولهذا نقول: إن الإنسان إذا اعتدى على شخص بغير سبب شرعي فأخذ ماله فإنما أخذه بعد أن منحه الله.

من فوائد الحديث: أنه لا تحل الوصية للوارث.

ما الفائدة في أن النفي يأتي في موضع النهي؟ يكون أقوى من النهي.

ومن فوائد الحديث: جواز الوصية لغير الوارث ولو كان قريبًا، لقوله: «لا وصية لوارث»، والحكم المعلق بوصف يوجد بوجوده وينتفي بانتفائه ويقوى بقوته ويضعف بضعفه، ولهذا لو قلت لك: أكرم المجتهد من الطلبة فغير المجتهد لا يستحق الإكرام، المجتهد بقوة يستحق من الإكرام أكثر والمجتهد اجتهادًا يسيرًا أو متوسطًا يستحق إكرامًا يسيرًا أو متوسطًا، ولو قلت: أكرم النائم من الطلبة هذا لا يستقيم.

على كل حال: القاعدة عندنا أن الحكم المعلق بوصف يوجد بوجوده وينتقي بانتفائه، ويقوى بقوته ويضعف بضعفه. «لوارث» انتفاء الوصية معلَّق بالإرث، فلو انتفى الإرث ولو كان من أقرب الناس صحت الوصية، ولنضر ب لهذا مثالاً: رجل له ثلاثة أبناء أوصى لواحد منهم ما حكمه؟ لا تصح الوصية

<<  <  ج: ص:  >  >>