للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلة في شيء آخر قلنا: هذا حكمه حكم الذي عُلل بهذه العلة، ووجه ذلك: أن الشريعة الإسلامية لكمالها واطرادها لا تفرق بين مُتماثلين كما أنها لا تجمع بين المتفرقين، فإذا كانت علة الحكم المذكور ثابتة في مكان آخر نقل حكم هذا المذكور إلى ذلك المكان الآخر؛ لأننا نعلم أن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين متماثلين.

ومن فوائد هذا الحديث: أن غض البصر مطلوب؛ لأنه إذا كان قد أمر بالنكاح من أجل غض البصر صار سبب الحكم أولى بالحكم من المسبب هذا بقطع النظر عن قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: ٣٠، ٣١] لكن نيد أن نأخذ الحكم من هذا الحديث.

ومن فوائد الحديث: مشروعية تحصين الفرج لقوله: «وأحصن للفرج».

ومن فوائد الحديث: تجنب كل ما يوجب إطلاق البصر أو وقوع الفرج في السواقط، وجه ذلك: أنه إذا أمر بالنكاح من أجل منفعة غض البصر وتحصين الفرج، فإن ما يوجب خلاف ذلك يكون منهيا عنه، ويتفرع على هذه القاعدة: أن الإنسان إذا وجد من نفسه افتتانًا لمطالعة بعض الصحف التي تشتمل على صور فإنه يجب عليه أن يتجنب ذلك؛ لأن هذا ربما يدعوه إلى إطلاق البصر أو إلى فعل الفاحشة نسأل الله العافية.

ومن فوائد الحديث: جواز الاقتصار على بعض الحكمة إذا كان المقام يقتضي ذلك، يُؤخذ من أن النبي (صلى الله عليه وسلم) علل الأمر بالتزوج بأنه «أغض للبصر وأحصن للفرج»، مع أن فيه علة أخرى ينظر إليها الشارع نظرة هامة وهي كثرة النسل والأولاد، لكن لما كان يُخاطب الشباب، والشباب لا يهتم في أول الأمر إلا فيما يتعلق بالشهوة وتحصين الفرج وغض البصر علل بالعلة المناسبة للمخاطب وهم الشباب.

ومن فوائد الحديث: حكمة الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما إذا تعذر الشيء حسًا أو شرعًا فإنه (صلى الله عليه وسلم) يذكر البديل عنه، لقوله: «ومن لم يستطع فعليه بالصوم» فإذا لم يمكنك القيام بالنكاح قدّرا لأنك معسرًا فعليك بالصوم.

ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يستقرض ليتزوج، وجه الدلالة: أنه قال: «من لم يستطع فعليه بالصوم»، ولم يقل: فليستقرض، أو فليستدن، ويدل لهذا أيضًا قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور: ٣٣]. يعني: بدون واسطة، لم يقل: حَتى يغنيهم الله بأي وسيلة، قال: {حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور: ٣٣] وهذا لا يحصل إلا بالغنى، ويدل

<<  <  ج: ص:  >  >>