للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والرابع: «لدينها» امرأة دَينة، ولاسيما إن كانت ذات علم يتزوجها لذلك؛ لأنه يحب أن يتزوج امرأة تعينه على طاعة الله، والمرأة الدّينة تُعين على طاعة الله وتقوم بحق الزوج على الأكمل وتسايره في أموره، حَتَّى إن بعض الدّيِّنات إذا رأت من زوجها رغبة في امرأة أخرى ذهبت هي تخطب له، لكن لو تأتي امرأة غير دينة وحلم بالليل أنه يتزوج يمكن أن تقيم عليه الدُّنيا كما هُوَ الواقع إلا من شاء الله! لكن أنا حُدّثت عن بعض الدينات أنهن يخطبن لأزواجهن، لأن صاحبة الدين لا تغدر بك إطلاقًا إن غبت حفظتك، إن أسررت إليها لم تخنك في سرك ولا في مالك ولا في أولادك ولا في أهلك، ولذلك قال: «فاظفر بذات الدين» يعني: اجعلها بمنزلة الغنيمة التي يظفر بها واجدها، و «ذات الدين»، أي: صاحبة الدين، وثق أنك إذا لزمت هذه الوصية من أنصح الخلق لك، فإنه ربما تنقلب هذه المرأة الدينة وإن كانت قليلة الجمال تقلب فتكون في عينيك أجمل النساء، ولاحظوا أن الجمال ليس كل شيء أحيانا تكون المرأة جميلة، لكن يجعلها الله في عين زوجها غير جميلة، فتجد الناس يتحدثون عن جمالها لكنها عنده ليست بجميلة فإن القلوب بيد الله (عز وجل) فإذا أخذت بهذه الوصية فالعاقبة بلا شك حميدة كأنك تستشير الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيشير عليك بأن تتزوج امرأة ذات دين.

وقوله: «تربت» يعني: التصقت بالتراب، أو امتلأت ترابًا، أو علق بها التراب، والمعاني كلها متلازمة. المعنى: أنك افتقرت؛ لأن من لا تجد يده إلا ترابا فهو فقير، ولكن هذه الكلمة تُطلق على الألسن ولا يُراد بها معناها ومدلولها، وإنما يُراد بها الحث والترغيب على فعل الشيء، وقيل: إنها على تقدير شرط محذوف تقديره: تربت يداك إن لم تظفر بها، فعلى هذا المعنى الثاني تكون جملة دعائية، أي: أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) دعا على من لم يظفر بذات الدين بهذا الدعاء، أما على الأول فهي جملة إغرائية، يعنى: يراد بها إغراء المرء على هذا الأمر، ومثلها قول النَّبِي (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ بن جبل: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يُكب الناس في النار على وجوههم ... ».إلخ. «ثكلتك» يعني: فقدتك، والرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يدعو على المرء بأن تفقده أمه لكنها جملة إغرائية، وقيل: إنها جملة دعائية على تقدير محذوف، أي: إن لم تفهم على كل حال تربت يداك، أي: التصقت بالتراب أو امتلأت به أو علق بها التراب وهو كناية عن الفقر.

في هذا الحديث: دليل على أن أغلب أغراض الرجال في هذه الأمور الأربعة المال والحسب والجمال والدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>