للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والاستحقاق، فالحمد الكامل خاص بالله مختص به لا يكون لغيره لأن غيره يحمد علي شيء معين، أما الحمد المطلق الكامل فهو لله أيضا الحمد المطلق الكامل لله على وجه الاستحقاق يعني أنه أهل لأن يحمد، وكم من محمود ليس أهلاً لأن يُحمد، إذن الجملة مؤكدة بـ «إن»، و «الحمد»، هو وصف المحمود بالكامل، واللام في قوله: «لله» للاستحقاق وللاختصاص، أما كونها للاستحقاق فإنه لا أحد يستحق الحمد أصلاً إلا الله (عز وجل)، وغيره إن حُمد فإنما يُحمد فرعًا، لأن كل من أحسن إليك فإنما هو بأمر الله وبإذن الله فيكون حمده حمد فرع لا حمد أصل، أما الذي يستحق الحمد فهو الله (عز وجل)، والاختصاص باعتبار الحمد المطلق الكامل فهو خاصاً بالله، لأن غير الله قد يحمد على شيء ويذم على شيء آخر، لا أحد يكون له الحمد المطلق من کل وجه إلا الله -سبحانه وتعالى-.

«نحمده» الجملة هذه إما أن تكون مؤكدة لما قبلها، وإما أن يكون المراد بالجملة الأولى الخبر، يعني: أن الله مستحق بالحمد مختص، ونحمده الإنشاء، يعني: أننا نحمده تُنشى الحمد له، فعلى الاحتمال الأول تكون الجملة تأكيدا لما قبلها، وَعَلى الاحتمال الثاني تكون الجملة المستأنفة لمعنى غير المعنى الأول، والقاعدة عند أهل العلم أنه إذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد فالتأسيس أولى، لماذا؟ لأن التأسيس يفيد معنى جديدًا، والتوكيد لا يفيد غير المعنى الأول إلا أنه يقويه فقط ولهذا من القواعد عندهم أن حمل الكلام على التأسيس أولى من حمله على التوكيد.

«ونستعينه» نطلب منه العون على كل الأمور، لاسيما في الأمر الخاص الذي قدم بين يديه هذه الخطبة ولذلك مثلاً: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] على كل الأمور لاسيما العبادة، «ونستغفره»: نطلب منه المغفرة، والمغفرة هي أن الله يستر ذنبك عن العباد في الدُّنيا والآخرة ويتجاوزه عنك فلا يُؤاخذك به، فلا تتم المغفرة إلا بهذين الأمرين: ستر الذنب، والثاني: التجاوز عنه؛ وذلك نظر لأصل الاشتقاق؛ لأن المغفرة مشتقة من المغفر وهو ما يستر به الرأس عند القتال، وفي هذا المغفر ستر ووقاية، إذن «نستغفره» نطلب منه المغفرة لكل الذنوب؛ لأن الذنوب سبب للفشل وتعسير الأمور، ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجًا، حتّى إن الذنوب سبب للحيلولة دون الوصول إلى الصواب في الحكم، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: ١٠٥ - ١٠٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>