للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وشئت، قال: «أجعلتني لله ندًا؟ »، مع أن للإنسان مشينة تمنع وتدفع، ومع ذلك قال: «أجعلتني لله ندًا؟ » فهو عبد، بل هُوَ (عليه الصلاة والسلام) أشد الناس تحقيقًا للعبودية، قال (صلى الله عليه وسلم) وهو الصادق: «إني لأعلمكم بالله وأتقاكم له»، فهو عبد الله وبهذا الوصف انتفى عنه حق الربوبية، «ورسوله»، يعني: مُرْسله إلى الخلق، إلى الجن والإنس (صلى الله عليه وسلم)، وبهذا الوصف أنتفى عنه الكذب فهو عبد لا يُعبد، ورسول لا يكذب (صلى الله عليه وسلم).

«ويقرأ ثلاث آيات» يعني: يقرأ في هذه الخطبة، فإذا انتهى إلى قوله: «عبده ورسوله» قرأ الآيات وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: ١]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠، ٧١].

ثم يتكلم عن الموضوع اللي خطب من أجله، في هذه الخطبة يقول: «أشهد أن لا إله إلا الله» وفيما قبلها من الجمل: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه»، قال: «نحمده»، وفي الشهادة قال: «أشهد»، ولم يقل: نشهد، فهل هذا مجرد اختلاف تعبير وأسلوب فهو بلاغة لفظية أو أن المعنى يختلف؟ نقول: المعنى يختلف؛ وذلك لأن الاستعانة والاستغفار تكون لجميع الأمة، بمعنى: أن الإنسان يستغفر لنفسه ولغيره، ولهذا قال الله تعالى في وصف التابعين: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: ١٠]. وقالوا: نستغفر جميعًا، بأن يكون كل واحد منا يستغفر للآخر، ونستعين جميعًا، أي: كل واحد منا يستعين الله للآخر، أما الشهادة فهي خبر عما في نفس القائل لا يشركه فيه آخر؛ لأنها توحيد، فلهذا قال: «أشهد» ولا يشاركه أحد في هذه الشهادة؛ لأنها إخبار عما في قلبه، أما الأول فهو طلب، «نستعين»: نطلب العون، «نستغفر»: نطلب المغفرة، والإنسان يطلب المعونة لنفسه ولإخوانه، ويطلب المغفرة لنفسه ولإخوانه، أما الشهادة فهي خبر عما في نفسه، وليست خبرا عما في نفس غيره ولذلك قال: «أشهد .... إلخ».

في هذا الحديث فوائد عديدة منها: حرص النيي (صلى الله عليه وسلم) على إبلاغ الرسالة وهداية الأمة لقوله: «علمنا».

ومن فوائد الحديث: تسمية الشيء بأفضل ما جاء فيه، حيث أطلق على هذه الخطبة التشهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>