للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنه لا يشتبه الرسول الذي يرسله الله من البشر؛ لأن الله يعطيه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، فالله تعالى لا يرسل الرجل أني رسول الله إليكم فآمنوا بي، ومن كفر بي فإني أستبيح دمه وأهله، بل يعطيه آيات يُؤمن على مثلها البشر، يقول: «يقرأ ثلاث آيات»، هي قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: ١٠٢]. وفي هذه الآية يُنادي الله المؤمنين بوصف الإيمان، ويأمرهم أن يتقوا الله حق تقاته، يعني: التقوى الحق، يعني: من باب إضافة الصفة إلى: موصوفها والتقوى الحق هي المبنية على الإخلاص لا على المراعاة، لأن من الناس من يتقي الله رياء وسمعة، يتقي الله في العلانية ويعصيه في السر، هذا لم يتق الله حق تقاته، وينهى الإنسان أن يموت إلا على الإسلام: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢].

فإن قال قائل: هذا النهي في غير المقدور؛ لأن الإنسان لا يقدر ألا يموت إلا وهو مسلم؟

وكيف يمكن؟

والجواب: أن الله تعالى لن ينهى عن شيء غير مستطاع تركه، ولا يأمر بشيء غير مستطاع فعله، وكيف يستطيع الإنسان ألا يموت إلا مسلمًا، يستطيع ذلك بأن يثابر على العمل الصالح في حياته، والله -سبْحَانه وتعالى- أكرم من أن يخذل شخصا أمضى عمره في طاعة الله، فإذا نشأ الإنسان في طاعة الله ومرن نفسه على الطاعة، فإن الله يشكر له حتّى يُحسن له الخاتمة ويموت على الإسلام، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان ليس في استطاعته ألا يموت إلا مسلمًا، لكن باستطاعته أن يقوم بعمل يكون له به خسن الخاتمة بالعمل الصالح، ولا يُنافي هذا ما جاء في حديث ابن مسعود (رضي الله عنه): «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حَتَّى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها»، لا يُعارض ما قلنا؛ لماذا؟ لأن حديث ابن مسعود مقيد بما ثبت في صحيح البخاري: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار»، وهذا نعمة -ولله الحمد- أن الإنسان لا يُخذل إذا صدق مع الله لأن الله أكرم من عبده، فإذا كان هذا الرجل مُفنيًا عمره في طاعة الله فليبشر بالخير: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ}، وبعده {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٢٢٣]. بشارة للإنسان قبل أن تحصل الملاقاة ما دمت مؤمنًا لا تخف من الملاقاة؛ لأن لك البشارة.

الآية الثانية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم ... } الآية. {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: ١].

هي نفس آدم، {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} المخلوق منها أنثى، فكيف قال: {زَوْجَهَا}؟ نقول: اللغة الفصحى أن الزوج مذكر سواء كان للأنثى أو للرجل لكن فيه لغية لتأنيث الزوج إذا كان للأنثى

<<  <  ج: ص:  >  >>