للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«تُستأمر» أي: تُستأذن، وإذنها سكوتها، والذي يستأذنها أبوها أو وليها غير الأب، ويكفي في البكر أن نقول: خطبك رجل كفء فهل تأذنين؟ إذا قالت: نعم صح الإذن؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) إنما طلب إذنها، استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن الثيب تُزوج نفسها قال: لأنه قال: «أحق بنفسها من وليها»، «والبكر تُستأمر» يعني: تُستأذن ولكن لا دليل فيه، وذلك لأن قوله: «أحق بنفسها من وليها» هذا من باب أنه يكشف لها عن الأمر تمامًا حَتَّى تكون كأنها تشاهده عيانًا ثم بعد ذلك تأذن أو لا تأذن، وهذا الذي قُلناه وإن كان خلاف ظاهر الحديث لكنه لا يمكن الجمع بين هذا الحديث وبين ما سبق من النصوص الدالة على اعتبار الولي إلا بهذا التأويل.

وفي لفظ: «ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تُستأمر»، «ليس للولي مع الثيب أمر» أي: في تزويجها، بل الأمر إليها إن شاءت أذنت وتولى العقد وليها، وإن شاءت لم تأذن، «واليتيمة تُستأمر»، واليتيمة هي التي مات أبوها ولم تبلغ، «وتُستأمر» أي: تُستأذن كما في الأحاديث السابقة، ولكن هل المراد باليتيمة هنا حقيقة اليتيمة أو المراد باليتيمة التي لم تتزوج وهي قد بلغت قريبًا؟ الثاني، وذلك لأن التي دون البلوغ لا يزوجها أحد من الأولياء؛ لماذا؟ لأن إذنها غير مُعتبر عند كثير من العلماء، وإلا بعضهم يقول: يعتبر الإذن من السنة التاسعة، لكن أكثر العلماء على خلافه، وَعَلى هذا فيكون المراد باليتيمة: البالغة القريبة البلوغ؛ لأنها هي التي يصح إذنها، أما ما قبل البلوغ فليس لها إذن مُعتبر؛ وذلك لأنها لا تعرف، صغيرة لا تعرف مصالح النكاح، فيكون إذنها كالعدم، على كل حال: هذه الأحاديث كلها تدل على أنه لابد من إذن الزوجة في إنكاحها.

ثم قال عن أبي هريرة: «لا تُزوّج المرأة المرأة ... » إلخ، «لا تزوج»، عندي بالرفع، وعلى هذا فيكون نفيا بمعنى النهي، والخبر بمعنى الطلب يأتي كثيرًا سواء كان أمراً أو نهيًا، «لا تزوج المرأة المرأة» حَتَّى ولو كانت بنتها فإنها لا تزوجها ولا تزوج نفسها حَتَّى وإن كانت كبيرة عاقلة فإنها لا تزوجها، لو وكلتها امرأة أخرى جاءت امرأة إلى امرأة كبيرة في السن عاقلة رشيدة وقالت لها: قد وكلتك أن تزوجيني فزوجتها؟ لا يصح؛ لأنه إذا كان لا يصح العقد لنفسها فلغيرها من باب أولى، وهذا الحديث يضم إلى ما سبق؛ لأنه لابد من الولي في النكاح، وقد سبق الكلام عليه، وبينا أن القرآن والسنة كلاهما يدل على اشتراط الولي.

أما الفوائد فحديث أبي هريرة أخذنا فوائده.

<<  <  ج: ص:  >  >>