للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحينئذ يكون مشركاً، فلو تزوج بزانية قبل أن تتوب فالنكاح باطل غير صحيح يجب أن يفرق بينهما، فإن تابت قبل أن يعقد عليها النكاح صح أن يعقد عليها النكاح، لأنها إذا تابت ارتفع عنها وصف الزنا وصارت الآن عفيفة، لأن العفة تتجدد كما أن الزنا يتجدد، لكن ما علامة توبتها؟ يقول بعض العلماء: علامة توبتها أن تراود فتمتنع؛ يعني: يذهب لها رجل يقول لها: مكنيني من نفسك، فإذا أبت كان دليلا على توبتها، ولكن هذا القول ضعيف جداً، لأن المراودة لا تدل على التوبة، لأن الذي راودها إما أن يكون معروفا بالعفة والصلاح فإنها ستمتنع وإن كانت ترغب، وإن كان رجلاً فاسقاً فهو على خطر عظيم، ما هو؟ أن يفعل الزنا بها، ولهذا نقول: سلوك هذه الطريقة في استطلاع توبتها خطأ جداً، إذن كيف نعلم أنها تابت؟ نعلم أنها تابت بمن يتصل بها من النساء أو بحيث تأتى أهل العلم وتسألهم تقول: إنها أذنبت ذنبا عظيما تعينه أو تكبره عند المسئول وتقول: أنها تابت فهل لها من توبة؟ المهم أن التوبة لها علامات. خلاصة هذا الحديث: «لا ينكح الزاني المجلود» هل يمكن أن يحول الحديث إلى العموم، أي: لا ينكح الزاني المجلود، ونجعل الزاني وصفاً يشمل المرأة والرجل؟ يمكن، وعلى هذا يكون الحديث مطابقا للآية والآية، مفصلة: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣]. والعجيب أن جمهور العلماء على حل تزوج الزاني بالعفيفة والعفيف بالزانية وهذا من الغرائب، وجه كونه غريباً: أن الله قال: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} نصاً في التحريم، لكن هم ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه بناء على معنى قوله: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ} أي: لا يطأ {إِلَّا زَانِيَةً} وقلنا: إنه ضعيف، إذن لو أن خاطبا خطب وهو متهم بالزنا هل نعطيه؟ لا؛ لأن المتهم لا يرضى دينه بل ولا خلقه؛ لأن من المعاصي ما يهدم الدين والخلق، ومن المعاصي ما يهدم الدين فقط، فالزنا -والعياذ بالله- يهدم الدين ويهدم الخلق، ولهذا يضرب بالزاني المثل في خلقه وسفالته. يؤخذ من هذا الحديث من الفوائد: تحريم إنكاح الزاني بعفيفة ما لم يتب، ما الدليل على أنه إذا تاب جاز تزويجه؟ الوصف؛ لأنه إذا تاب زال عنه وصف الزنا. ومن فوائد الحديث: حماية الشريعة للأخلاق، لأن الزاني -والعياذ بالله- لا يبالي أن تزني امرأته؛ لأنه هو يزني بنساء الناس، والواقع في الذنب لا ينكره على غيره. ومن فوائد الحديث: أنه يجوز -بل يجب- منع تزويج الزاني ولو كان مستقيم الدين في غير الزنا، قد يكون رجل يصلي ويتصدق ويصوم ويحج ويعتمر لكنه مبتلي -نسأل الله العافية- بمسألة الزنا، فهل نزوج هذا الرجل ونقول: هذا دينه جيد ولعله يتوب من الزنا؟ لا يجوز أبدا،

<<  <  ج: ص:  >  >>