للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الأكل بالشمال والشرب بالشمال وإخباره بأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله, وقد ذكرنا في أثناء الشرح أن ذلك ينقسم إلى أقسام:

أولاً: أن يخالف هذا الأمر لعذر؛ أي: أن يأكل بشماله لعذر؛ فهذا لا حرج عليه لعموم قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: ١٦].

وقوله: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: ٢٨٦]. وقول النبي: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».

ثانياً: أن يتركها تهاوناً فهذا محرم.

ثالثاً: أن يتركها كبراً فهذا من كبائر الذنوب, لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على الذي قال: لا استطيع أن آكل باليمين ما منعه إلا الكبر فقال له: «لا استطعت» , فلم يرفعها إلى فيه بعد ذلك.

ومن فوائد الحديث: فضيلة اليمين, حيث خصت بالأكل وكذلك بالشرب, وقد ذكر أهل العلم -رحمهم الله- قاعدة فقالوا: الأشياء ثلاثة أقسام: أذى, وخير, وما لا أذى فيه ولا خير, فالأذى تقدم له اليسرى ولذلك يستنثر الإنسان باليسار, ويستنجى باليسار, ويمسك ذكره ليلصقه بالأرض أو يقربه منها إذا كانت صلدة باليسار, ويقدم رجله اليسرى عند الدخول للخلاء, ويقدم اليسرى عند خلع الثياب, وتقدم اليمنى للخير ولما ليس فيه أذى ولا خير, أما تقديمها للخير فهو لمنقيتها لما لا خير فيه ولا أذى فهو لشرفها وفضلها على اليسار.

ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي الأكل بكلتا اليدين, لقوله: «كل بيمينك» , فلو قال واحد: أنا آكل باليمين لقمة وباليسار لقمة أقل أحواله أنه خلاف السنة, ولكن إذا شرب بكلتا اليدين فهذا إذا كان لحاجة فلا شك في جوازه كما لو كان الإناء ثقيلاً لا يستطيع حمله باليد اليمنى, أما إذا لم يكن هناك حاجة فالأصل أن يشرب باليمين فقط.

ومن فوائد الحديث: وجوب الأمل مما يليك, لقوله: «وكل مما يليك» , والأصل في الأمر الوجوب, وقد ذكرنا في الشرح علة في ذلك وهو أنه إذا أكل من غير ما يليه حصل بذلك مضايقة وأذى لشريكه وهذا لا يجوز, ثم إن فيه أيضاً سوء أدب ودلالة على الشره.

يستثنى من ذلك إذا كان الطعام أنواعاً فإنه لا بأس أن يأكل من النوع الذي يختاره ولو كان مما يلي صاحبه لدعاء الحاجة لذلك, ولأن النفوس لا تأنف منه ولا يتأذى منه شيء, وقد ذكرنا في هذا دليلاً وهو حديث أنس في تتبع النبي صلى الله عليه وسلم للدباء, لكن من ذكاء أنس رضي الله عنه أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>