للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: تيسير الشرع بإعطاء النفوس حظها في أمر الأصل فيه التحريم مثل جواز الإحداد ثلاثة أيام فأقل، ومن ذلك أنه أعطى النفوس حظها من اللهو في أيام العرس وأيام الأعياد وقدوم الغائب الكبير؛ لأن النفوس تحتاج إلى سعة لو أبقيتها دائمًا بجد تعبت، فرخص لها في المناسبات التي تدعو الحاجة إلى الانطلاق بعض الشيء.

ومن فوائد الحديث: اعتبار الثلاث أي العدد الثلاث وهذا معتبر كثير في عدة أمور حتى في الأحاديث تجد مثلًا أحاديث كثيرة ثلاثة لهم كذا وكذا، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن، المهم أنه كثير اعتبار الثلاث وهل هو أكثر من اعتبار السبع؟ نعم، وهل هو أكثر من اعتبار الخمس؟ نعم، لكن في شك مع اعتبار السبع مع الثلاث أيهما أكثر.

ومن فوائد الحديث: وجوب الإحداد مدة عدة الوفاة لقوله: "إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا" فإن قال قائل: نحن ننازع في هذه الفائدة من وجهين:

أولًا: قولنا: وجوب الإحداد مع أن الاستثناء من شيء محرم فيقتضي أن يكون هذا الاستثناء للإباحة.

ثانيًا: أنه من قال أن المراد: "على زوج فارقها بالموت" ألا يشمل من فارقها في الحياة.

فالجواب: أما عن الأول فإنا نقول بوجوب الإحداد من وجهين:

الوجه الأول: أن نهيه عن الإحداد أكثر من ثلاث يدل على أن الأصل التحريم والغالب أن المحرم لا يباح إلا بما هو أقوى منه وهو الواجب، وهذا وجه فيه ضعف.

الثاني: أن نقول: إن آخر الحديث يدل على أن الإحداد على سبيل الوجوب لأنه قال: "لا تلبس ثوبًا مصبوغًا ولا ... ولا تكتحل، ولا تمس طيبًا ... " فذكر مناهي، فدل هذا على أن الإحداد واجب، وأما الثاني- وهو أنه ما الذي أعلمنا أن المراد عدة الوفاة دون عدة الفراق في الحياة- فالجواب تحديدها بأربعة أشهر وعشر، وليس هناك شيء يحدد بأربعة أشهر وعشر من العدد إلا عدة الوفاة فتعين الآن أن المراد بقوله: "على زوج" يعني: إذا مات بأنها تحد بأربعة أشهر وعشر.

فإن قال قائل: هل يستثنى من ذلك الحامل؟

قلنا: نعم يستثنى من ذلك الحامل؛ لأنها لا تحد إلا على قدر العدة وعدة الحامل؛ سبق أنها وضع الحمل، وعلى هذا إذا وضعت لشهر واحد صار إحدادها شهرًا واحدًا وإن وضعت لعشرة أشهر صار إحدادها عشرة أشهر، المهم أنه يستثنى من قولها: "أربعة أشهر وعشرًا"، الحامل فإحدادها إلى انتهاء عدتها.

ومن فوائد الحديث: بيان عظم حق الزوج على زوجته وذلك لإيجاب الإحداد عليه بعد وفاته، حتى لا يطمع أحد في خطبتها فينتهك حرمة الزوج؛ ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة تحريمًا مؤبدًا لأن حق الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من كل حق سوى حق الله- سبحانه وتعالى-.

<<  <  ج: ص:  >  >>