للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا الأثر عن ابن عمر ما يدل على أن المعتبر في الطلاق الزوجة دون الزوج، وهذا موضع خلاف بين العلماء هل المعتبر في الطلاق الزوجة أو المعتبر الزوج؟ ويظهر أثر الخلاف فيما إذا كان الزوج حرًّا والزوجة أمة فهل يملك الزوج هنا ثلاث تطليقات أو طلقتين؟ إذا قلنا المعتبر الزوجة لم يملك إلا تطليقتين وإذا قلنا المعتبر الزوج ملك ثلاثًا وبالعكس لو كان الزوج رقيقًا والزوجة حرة فهل يملك ثلاث تطليقات أو يملك تطليقتين؟ إن قلنا: المعتبر الزوجة ملك ثلاث تطليقات وإن قلنا المعتبر الزوج لم يملك إلا تطليقتين بناء على المشهور عند جمهور العلماء من تنصف ما يملك الزوج باعتبار الحرية والرِّق، أما الظاهرية فلا يعتبرون هذا إطلاقًا، ويقولون: الزوج يملك ثلاث تطليقات حرًّا كان أو عبدًا والمشهور عند أكثر أهل العلم أن الطلاق معتبر بمن بيده الطلاق ومن الذي بينه الطلاق؟ الزوج وعلى هذا فإذا كان الزوج حرًّا وزوجته مملوكة فإنه يملك ثلاث تطليقات، وإن كان رقيقًا وزوجته حرة لم يملك إلا طلقتين وهذا هو الصحيح؛ لأن حكم الطلاق يتعلق بمن له الطلاق، أما من ليس بيده الطلاق وهي الزوجة فلا عبرة به. فإن قال قائل: وهل يجوز للحرِّ أن يتزوج أمة؟ قلنا: نعم بشروط بيِّنها الله في قوله: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن مَّا ملكك أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} [النساء: ٢٥]. إذن ذكر الله شرطين: الشرط الأول: من لم يستطع منا طولا؛ أي: مهرًا يتزوج به الحرائر فلينكح الإماء {فمن ما ملكت أيمانكم} هذا شرط.

الشرط الثاني: {من فتياتكم المؤمنات} فالكتابية الأمة لا تحل.

الشرط الثالث: {ذلك لمن حشى العنت منكم} "العنت": المشقة بترك النكاح، فإذا تمت الشروط الثلاثة جاز للحرِّ أن يتزوج الأمة، وإنما منع الحرُّ من تزوج الأمة، لأنه كما قال الإمام أحمد: إذا تزوج الحر أمة رق نصفه، يعني: صار نصفه رقيقًا كيف ذلك؟ لأن الأولاد بضعة منه وأولاده يكونون أرقاء، ولهذا ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أنه إذا اشترط الحر على مالك الأمة أن يكون أولاده أحرارا فلا بأس أن يتزوجها بدون شرط؛ لأن شيخ الإسلام في وقته ابتلي الناس بالإماء اللائي هن أحسن وأجمل من الحرائر؛ لأنهن مسببات من الكفار وجميلات والناس ينصبون عليهن، فرأى رحمه الله أنه إذا اشترط الزوج على مالك الأمة أن أولاده أحرار فإن العلة قد زالت فله أن يتزوج لكن الذي ينبغي أن يمشى على ظاهر الآية لأن العلة التي ذكرها الإمام أحمد علة مستنبطة، والعلة المستنبطة لا ينبغي أن يخصص بها عموم النص؛ لأنها قد تكون العلة غيرها وقد تكون العلة مركبة من هذا ومن غيرها، أما إذا جاء النص على العلة فهنا لا بأس أن يخصص مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه"، فهنا إذا كان الثالث لا يحزن إذا تناجى اثنان عنده فلا نهي الآن فهمنا أن القول الراجح

<<  <  ج: ص:  >  >>