للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٩٥ - وعن طارق المحاربي رضي الله عنه قال: "قدمنا المدينة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس ويقول: يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك". رواه النسائي، وصححه ابن حبان، والدارقطني.

"أل" في "المدينة" للعهد الذهني؛ إذ لا ينصرف الذهن إلا إلى مدينة معهودة، وهي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم واسمها طيبة، وكان اسمها في الجاهلية يثرب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى عدم رغبته بتسميتها بهذا الاسم فقال: "يقولون يثرب وهي طيبة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد"، فلا ينبغي أن تسمى يثرب وأما قوله تعالى: (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم) [الأحزاب: ١٣]. فهو حكاية قول المنافقين وحكاية قول الغير قد يكون إقرارًا وقد لا يكون إقرارًا وتسمى المدينة بدون أن يلحق إليها وصف آخر، وكفى بها فخرًا ألا يفهم من المدينة عند الإطلاق إلا مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما زيادة المنورة فهي حادثة ما علمتها في عبارات السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ولهذا نرى حذفها أولى، وإذا كان لابد من وصفها بشيء فلتوصف بالنبوية نسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: "قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم" "إذا" تسمى عند النحويين فجائية لدلالتها على المفاجأة يعني: ففاجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "قائم على المنبر بخطب الناس"، والذي يظهر أن هذا كان في يوم الجمعة؛ لأن الغالب أن خطبته على المنبر تكون في يوم الجمعة، و"المنبر" مفعل من النبر وهو الارتفاع، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يخطب إلى جدع نخلة ثم صنع له منبر من خشب من الأئل، فلما قام عليه أول جمعة بدأ الجدع يصيح ويسمع له خوار كخوار البعير لفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم! ! حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر، فجعل يسكته حتى سكت كما تسكت الأم صبيها وهذا من آيات الله فإذا كان جدع جماد يبكي لفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا يجدر بالمسلمين أن يبكوا لفقد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من البلاد الإسلامية اليوم، والله إنه لجدير بنا ولكن القلوب قاسية ويقول: "يد المعطي العليا"، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى" واليد العليا هي يد المعطي والسفلى يد الآخذ؛ لأن منزلة المعطي فوق منزلة الآخذ ومنزلة الآخذ دون منزلة المعطي ولهذا لا ينبغي

<<  <  ج: ص:  >  >>