للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مثل هذه الحال متعذرة لأن الصائل لا يمكن أن يصول على شخص وحوله أحد فالبينة إما أن تكون متعذرة أو متعسرة جدًا فإقامة البينة في مثل هذه الحال بعيدة وقال بعض أهل العلم بل ينظر في القرائن فإذا كان المقتول الذي اتهم بالصول أهلاً لذلك لكونه معروفًا بالشر والفساد وكان القاتل الذي ادعى الدفاع عن نفسه رجلاً صالحًا أهلاً للصدق فإننا نصدقه ولكن هل تجري القسامة في هذه الحال أو بدون قسامة؟ يرى بعض العلماء أنه لابد من القسامة وذلك لأنه توجد قرينة على صدق دعوى القاتل فهذه كالعداوة بل إننا قلنا: إن الراجح في مسألة القسامة أنه كلما يغلب على الظن صدق المدعي تجرى فيه القسامة وعلى هذا فتجرى القسامة فيحلف المدعي خمسين يمينًا أنه صال عليه وقيل: لا حاجة للقسامة لأن القسامة يدعيها أولياء المقتول ليأخذوا القصاص وهنا الذي يدعي أنه قتل بالحق هو القاتل حتى يسلم من الضمان وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في أنه يقبل قولاً معروفًا بالصدق في هذه المسألة، إذا قال قائل: هل له أن يقتله مبادرة أي المصول عليه هل للمصول عليه أن يقتل الصائل مبادرة أو يدافعه بالأسهل فالأسهل؟ الواجب: أن يدافعه بالأسهل فالأسهل لأن المقصود كف شره إلا إذا خاف أن يبدره بالقتل فله أن يبدره بالقتل لكن إذا أمكنه أن يكسر يده التي أشهر بها السلام فليفعل لأن كسر اليد ممكن يحصل بها المقصود.

[سقوط الضمان في الدفاع عن النفس]

١١٥٣ - وعن عمران بن حصين رضى الله عنهما قال: "قاتل يعلى بن أمية رجلاً، فعضَّ أحدهما صاحبه، فانتزع يده من فمه فنزع ثنيَّته، فاختصما إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: أيعضُّ أحدكم أخاه كما يعضُّ الفحل؟ لا دية له". متفقٌ عليه، واللَّفظ لمسلم.

القصة معروفة "قاتل يعلى بن أمية رجلاً"، والمقاتلة: المشادة والإمساك بالأيدي، ولا يلزم أن يكون بسلاح فهي أعم من أن تكون بالسلاح وغيره قد تكون بالأيدي كالملاكمة وبالعصا وبالأحجار فهي أعم من السيف والسلاح؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل إذا أراد أن يجتاز بين المصلي قال: "فليدفعه فإن أبي فليقاتله" ومعلوم أن المصلي ليس معه سلاح يقاتل به هذا المار، ولكن المراد أن يدفعه بشدة، يقول: "فعض" بالضاد مضارعها يعض ق الله تعالى: (ويوم يعضَّ الظَّالم على يديه) [الفرقان: ٢٧]. قال: "فانتزع يده من فمه" الفاعل في قوله: "فانتزع" يعود على المعضوض، وكذلك الضمير في "يده من فمه" يعود على العاض؛ يعني: أن المعضوض لم يتحمل، وعادة لا يمكن أن يتحمل فنزع ثنيته؛ أي: ثنية العاضّ، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخصم هو المحاكم المجادل الذي يريد أن يخصم صاحبه؛ أي: أن يغلبه في

<<  <  ج: ص:  >  >>