للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر المؤلف حديث عائشة قالت: لما نزل عذري ... إلخ قصة الإفك، لعلكم قرأتموها بعد أن أشرنا إليها في الدرس الماضي قصة غريبة عجيبة فيها فوائد عظيمة، ساق ابن القيم كثيرًا منها في زاد المعاد، هذه القصة هي أن عائشة كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع رجعوا ونزلوا في الليل وقامت لقضاء حاجتها ورجعت وفقدت عقدًا يعني: قلادة فذهبت تطلبه فلما رجعت وجدت القوم قد ساروا وشدوا لأنهم حملوا هودجها وكانت صغيرة لم يأخذها اللحم، وكان الذي حمل الهودج جماعة فصار الهودج خفيفًا فحملوا على أن المرأة موجودة فيه، ولكنها لم تكن فيه فلما رجعت إلى المكان وجدت أنهم ساروا [فمن رجاحة] عقلها أن بقيت في المكان لأنها؛ لو ذهبت تطلبهم لأضاعتهم ثم لو جاءوا هم يطلبونها أضاعوها أيضًا، لكن بقيت في مكانها والغريب أنها بقيت ونامت، سبحان الله! في هذه الحال المخوفة المرعبة تنام مما يدل على قوة جأشها وطمأنينتها ولا شك أن هذا ليس غريبًا على أم المؤمنين رضي الله عنها نامت، وكان صفوان بن المعطل رضي الله عنه في أخريات القوم وكان إذا نام لا يقوم إلَّا إذا بعثه الله فلما قام ورأى السواد ركب بعيره وأتى إليه فلما رآها فإذا هي عائشة وكان يعرفها بعينها بوجهها قبل نزول الحجاب فاسترجع - قال: إنا لله وإنا إليه راجعون -؛ لأنه رضي الله عنه يعلم أن بين أيديهم منافقين كل شيء يحتمل منهم، ولكنه رضي الله عنه أناخ البعير واستيقظت هي باسترجاعه وركبت البعير، ولم يتكلم معها ولو بربع كلمة احترامًا لفراش النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يقود البعير، حتى أتت القوم فصار في هذا فرصة عظيمة للمنافقين أن يقدحوا في عائشة لا لأنها عائشة ولكنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من أكبر العار أن يكون فراش الإنسان بغيًا - والعياذ بالله -، ففرح المنافقون بهذا وجعلوا يتكلمون ويتكلم رؤساؤهم، ولكنهم خبثاء، عبد الله بن أبي هو رأس المنافقين وهو الذي تولى كبره منهم، لكنه لا يقول: إنها زنت، يقول: قيل كذا، ويأتي للإنسان ويقول: ماذا تقول في هذه الشبهة، هذه امرأة شابة تأخرت عن القوم وجاءت يقودها رجل شاب، فيجمع حواشي الحديث ويفرقه في الناس، ومن المعلوم أن الإنسان بشر، وإذا جاء هؤلاء المنافقون الذين قال الله عنهم: {وإن يقولوا تسمع لقولهم} [المنافقون: ٤]. أهل بيان وفصاحة فربما يؤثرون بلا شك، وهذا الذي حصل لما وصلت عائشة المدينة مرضت، والناس يخوضون، ومن نعمة الله أنها مرضت حتى لا تسمع ما يقال، وبقي الوحي شهرا لا ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه محن، ولكن الإنسان يؤجر على هذه المصائب، بقي الوحي لا ينزل والناس يخوضون، والنبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه في القضية منهم من يثني على عائشة ويقول: لا نعلم إلَّا خيرًا، ومنهم من يقول: النساء سواها كثير أرخ نفسك، يعني: طلقها وأرح نفسك كعلي بن أبي طالب، لأنه ابن عمه وأشد الناس شفقة عليه، ولا يحب أن يغتم الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>