للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لو قلت نعم لوجبت وما استطعتم، الحج مرة فما زاد فهو تطوع" فقال: "ما زاد" و"ما زاد" هذه شرطي تعم كل شيء، فمتى أدي الإنسان فريضة الحج والعمرة كان ما يفعله بعد ذلك تطوعًا إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله، ويدل لذلك أيضًا قول النبي (صلى الله عليه وسلم) حين وقت المواقيت قال: "هن لهن ولمن أتي عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة" هكذا استدل بعض العلماء بهذا الحديث، وفي هذا الاستدلال منازعة، لأن قوله: "ممن يريد" لا تدل على عدم الوجوب، لأن الوجوب سابق على الإرادة، فيمكن أن نقول: "ممن يريد" ممن يجب عليه، وكل الناس يجب عليهم، ونظير ذلك أن نقول: الوضوء واجب على من يريد أن يصلى الظهر، هل هذا يدل على أن صلاة الظهر غير واجبة؟ لا، بل يدل على وجوب الوضوء لمن أرادها، ثم الإرادة يسبقها الحكم الشرعي واجبًا كان أم مندوبًا لكن الدليل الواضح هو الأول وهو قوله: "الحج مرة فما زاد فهو تطوع".

ومن فوائد الحديث: أن الإخبار عن الجاني ليس وشاية وليس بحرام، يؤخذ من قوله: "أن رجلاً جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة" هذه وشاية لكن لمصلحة، فمن هو ابن خطل؟ هو رجل كان قد أسلم في المدينة ثم ارتد ولحق بالمشركين في مكة، واتخذ جاريتين تغنيان بهجاء النبي (صلى الله عليه وسلم)، فجمع بين الردة واللحاق بالمشركين وسب النبي (صلى الله علي وسلم)، فكانت ذنوبه عظيمة، واشتهر ذلك فجيء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ليخبر به، فقال: "اقتلوه".

ومن فوائد الحديث: أنه قد اشتهر حتى عند الكفار الالتجاء إلى بيت الله الحرام.

ومن فوائد الحديث: جواز قتل المرتد في مكة، وذلك لقوله "اقتلوه" ولكن هل هذا عام بحيث من ارتد خارج مكة ثم دخل مكة فإن الحرم يعيده أو لا؟ في هذا خلاف بين العلماء، منهم من قال: إن من فعل ما يوجب خارج مكة ثم لجأ إليها فإنها لا تقام عليه العقوبة، لعموم قوله الله تعالى: {ومن دخله كان أمنًا} [آل عمران: ٩٧]، وقوله: {أو لم يروا أن جعلنا حرمًا أمنًا ويتخطف الناس من حولهم} [العكنبوت: ٦٧] ولأن الطيور- وهي من غير البشر- تأمن إذا دخلت إلى مكة، فالآمي من باب أولى، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد (رحمه الله)، لكنهم قالوا: يضيق على هذا الرجل حتى يخرج فلا يكلم ولا يطعم ولا يسقي ولا يماشي حتى تضيق عليه الأرض بما رحبت ثم يخرج فإذا خرج أقمنا عليه الحد، ومنهم من قال: إن الحرم يعيد العاصي مطلقًا ولا يتعرض له بشيء ولا يضيق عليه؛ لأنه دخل المكان الآمن وربما يمن الله عليه بالهداية إذا عرف أنه استجار بحرم الله فأجير تعظيمًا لله (عز وجل) فالأقوال ثلاثة.

فإن قال قال: هل في قصة ابن خطل دليل على القول الذي يقول: إنه يجيره مطلقًا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>