للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلزمنا أن نجيره لكن لنا أن نجيره، وإن طلب الإجازة يريد أن يطلع على أحوال المسلمين فيكون عينًا للمشركين فهنا يحرم أن نجيره، إذ لا يصح ولا يمكن أن نجير شخصًا يكون جاسوسًا على المسلمين لأعداء المسلمين.

وقوله: للطيالسي من حديث عمرو بن العاص: "يجبر على المسلمين أدناهم" "أدنى" اسم تفضيل من الدنو والمراد: أدناهم مرتبة، فلا يشترط في المجير أن يكون ذا شرف وسيادة في قومه بل وإن كان أدنى قومه، تجير المرأة؟ نعم تجير، والفقير والجاهل، كل من يصح منه عقد الإجازة فإنه يجير ولو كان أدنى قومه:

وقوله: في حديث عليِّ "ذمة المسلمين"، "وذمة" بمعنى: عهد، فعهد المسلمين إذا وقع من واحد منهم حرم على غيره أن يعتدي على أجيره الذي آجره؛ ولهذا قال: "يسعى بها أدناهم" وهذا كقوله في رواية الطيالسي: "يجير على المسلمين أدناهم".

وزاد ابن ماجه: "ويجير عليهم أقصاهم" يعني: أن أقصاهم وأبعدهم عن المراتب والشرف والسيادة يجير عليهم.

وخلاصة هذه الأحاديث: أنه يجوز أن يستجير أحد من المشركين بواحد من المسلمين ولو لم يكن ذا شرف وسيادة وأنه إذا أجاره فهو كإجارة جميع المسلمين؛ لأن ذمة المسلمين واحدة,

وقوله في الصحيحين عن أم هانئ: "قد أجرنا من أجرت" أم هانئ أخت علي بن أبي طالب- رضي الله عنها وعنه- أجارت رجلين من المشركين عام الفتح فكانا في جوارها فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "وقد أجرنا من أجرت" وإنما قال ذلك لأن علي بن أبي طالب امتنع أن يجيرهما وهو أخوها حتى رفع الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قد أجرنا من أجرت" والمرأة بالنسبة لقومها من أدناهم إذن يكون هذا الحديث تطبيقًا عمليًا لقوله: "يسعى بها أدناهم"، صار عندنا الآن ثلاثة أقسام بالنسبة لتأمين الكفار، الأول: عقد الذمة، والثاني: عقد العهد العام، والثالث: الإجازة، أما الأول والثاني فلا يعقده إلا الأمام أو نائبه لأنه عقد عام.

لكن إذا قال قائل: ما الفرق بين عقد الذمة وعقد العهد.

نقول: عقد الذمة يكون بيننا وبين الكفار على أن يقيموا في بلادنا آمنين محفوظين ولكن عليهم الجزية، والعهد عهد بيننا وبين الكفار ألا نقاتلهم ولكنهم في ديارهم وليس علينا المطالبة بحمايتهم إنما لا يكون بيننا وبينهم قتال، كما جرى بين النَّبّي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، قريش في مكة والرسول في المدينة، والثالث: الإجازة الخاصة هذه لا تتعلق بالإمام ونائبه بل تكون من أدنى واحد من المسلمين وليس لها حكم، يعني: هذا الَّذي أجرناه من الكفار لنا أن نقاتل

<<  <  ج: ص:  >  >>