للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبين وأن الله ألهم عيسى أن يسميه أحمد لهذا السبب ليتبين فضله وأنه أحمد الناس لله وأحق الناس أن يحمد صلى الله عليه وسلم.

قوله: "لأخرجن اليهود ... إلخ" أقسم أن يخرجهم من جزيرة العرب والنصارى سموا بهذا الاسم إما لأنهم من بلدة تسمى الناصرة في فلسطين وإما من قوله تعالى: {قال الحواريُّون نحن أنصار الله} [آل عمران: ٥٢]. وإما من الأمرين جميعًا وهؤلاء النصارى كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أقرب إلى المؤمنين من اليهود لقوله تعالى: {لتجدنَّ أشدَّ الناس عداوة للَّذين ءامنوا اليهود والَّذين أشركوا ولتجدن أقربهم مَّودَّةً للَّذين ءامنوا} يعني: من الكفار {الَّذين قالوا إنَّا نصارى} وعلل آية: {ذلك بأنَّ منهم قسيسين ورهبانًا وأنَّهم لا يستكبرون (٨٢) وإذا سمعوا مآ أنزل إلى الَّرسول ترى أعينهم تفيض من الدَّمع ... } إلخ، ومثل هذه الأوصاف لا توجد في اليهود؛ لأن اليهود عتاة معاندون من أشد الناس عنادًا وكبرًا، فلا تجد فيهم هذا الوصف أما النصارى ففيهم هذا ولهذا صاروا أقرب الناس مودة إلى المؤمنين من سائر الكفار، ولكن بما أن الحكم يدور مع علته فإنه إذا انتفت هذه العلة انتفى الحكم، ولذلك نجدهم اليوم من أشد الناس عداوة للمؤمنين وأشدهم شراسة في قتال المسلمين وهذا شيء مشاهد فمنذ الحروب الصليبية إلى يومنا هذا وهم في صراع دموي وغير دموي مع المسلمين ولا يسعون أبدًا إلا لصالح أنفسهم ولو على حساب المسلمين، ونجد أنهم الآن تحقق فيهم قول الله- تبارك وتعالى-: {يأيها الَّذين ءامنوا لا تتَّخذوا اليهود والنَّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ} [المائدة: ٥١].

فاليهود مع النصارى أولياء وفي هذا الزمن ظهر هذا تمامًا في قضية اليهود في فلسطين وقضية النصارى في البلاد الأخرى وأنهم يساعدون بالمال والعتاد وكذلك أيضًا بالسياسة، وهذا أمر معروف ولهذا قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم""لأخرجن اليهود والنصارى"، فجعل الاثنين حكمهما واحد في أنه يخرجهم من جزيرة العرب لما في إبقائهم فيها من الشر، ولأن جزيرة العرب منها خرج الإسلام وشاع نوره في الآفاق وإليها يعود كما ثبت عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "أن الإيمان يأرز إلى المدينة، - أي: يرجع - كما تأرز الحية": ، إلى جحرها؛ ولأنه لو فشا فيها هذان الدينان لفسدت، ولهذا جاء في الحديث: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب"، يعني: لا يمكن أن تقام

<<  <  ج: ص:  >  >>