للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الفوائد: جواز مصالحة المشركين على وضع الحرب وهو ما يعرف بالسلم أو السلام لمدة عشر سنين لأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم صالح قريشًا على وضع الحرب لمدة عشر سنين مع أن قريشًا أخرجوا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ديارهم واحتلوها وهي أشرف البقاع وصالحهم عشر سنوات على ترك الحرب وعلى هذا فيكون هذا الحديث مخصصًا لقوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتَّى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فيكون هذا مخصصًا لهذا العموم أي: ما لم يكن بيننا وبينهم عهد أو صلح، وهل العهد والصلح جائز للحاجة أو مطلقًا؟

الجواب: أنه جائز للحاجة والضرورة لا مطلقًا، فإذا دعت الحاجة إلى الصلح بيننا وبين الكفار فعلنا وإلا فالأصل وجوب القتال، واختلف العلماء - رحمهم الله - هل هذا خاص بقريش لأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم صالحهم تعظيمًا لحرمة البيت أو هو عام؟ في هذا قولان للعلماء: منهم من قال: إنه عام وأنه تجوز مصالحة الكفار لمدة عشر سنوات مطلقًا ومنهم من قال: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قصد بهذا تعظيم البيت لا إقامة الهدنة بينه وبين الكفار والصحيح العموم وعلى هذا فهل يختص جواز المصالحة بهذا القدر من الزمن، أي: عشر سنوات فأقل أو لنا أن نزيد للمصلحة؟ الصحيح: أنه لنا أن نزيد للمصلحة لأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بنفسه أي: عقد عشر سنوات لكنه لم يقل للناس لا تعقدون فوق ذلك فيكون الأصل الجواز يعني لنا أن نقول: عشرين سنة أو خمس عشرة سنة لأنه لا دليل على التحريم، وهل لنا أن نطلق يعني: أن نصالح صلحاً غير مقيد؟

في هذا خلاف بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: لا بأس، وبعض العلماء يقول: لا لابد من التحديد والصحيح جواز الإطلاق وأنه يجوز أن نصالح الكفار على وضع الحرب بدون قيد وحينئذ نقول ما دام الأمر مقيدًا بالحاجة فما دمنا في حاجة إلى بقاء هذا الصلح فلنبقه وإذا وجدنا ضعفًا في عدونا أو وجدنا قوة فينا فلنا أن ندعوهم إلى الدخول في الإسلام أو بذل الجزية ولا حجة للعدو علينا في هذه الحال، لأننا ليس بيننا وبينه مدة معينة حتَّى يقول: غدرتم أو نقضتم العهد لأن العهد مطلق وهل يجوز أن نعاهد عهدًا دائمًا؟ لا، لأن العهد الدائم يعني: وضع الجهاد وإبطال فرضيته، وهناك فرق بين الدائم وبين المطلق، الدائم يعني المؤبد فيكتب مثلًا في العقد: أننا نضع الحرب بيننا وبينكم دائمًا أو أبدًا هذا حرام، لأنه إبطال لفريضة من فرائض الإسلام، بل جد ذروة الإسلام لأن الإسلام ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا تم الصلح فإنه لا يجوز الاعتداء على الكفار الَّذين جرى بيننا وبينهم الصلح لقوله: "يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض" فلا يجوز لأي واحد من الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>