للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعتدي على هؤلاء الّذين جرى بيننا وبينهم الصلح لأنهم في عهد وأوفى الناس بالعهود هم المسلمون كما قال تعالى: } والموفون بعهدهم إذا عاهدوا {[البقرة: ١٧٧].

ومن فوائد الحديث: في رواية مسلم جواز مثل هذا الشرط أن من جاءنا منهم مسلمًا رددناه، ومن جاءهم منا فإنه لا يرد، ونعلل بما علل به النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أن من جاءهم منا فأبعدهم الله ولا خير فيه ومن جاءنا منهم فرددناه فسيجعل الله له فرجًا ومخرجًا، وقد حصل هذا كما توقعه النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بل كما وعد به، لأنه قال: سيجعل والسين للتنفيس تفيد التحقيق، من الَّذي رد فجعل الله له فرجًا؟ أبو بصير، فهو جاء مسلمًا من قريش فألحقه قريش برجلين يطلبان رجوعه فلما أدركاه في المدينة رده النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وفاء بالشرط، لأن مراعاة المصلحة العامة أولى من مراعاة المصلحة الخاصة فهذا الرجل الَّذي رد إلى الكفار لاشك أن فيه غضاضة عليه عظيمة، وربما يقتلونه لكن المصلحة العامة - وهي وفاء المسلمين بعهودهم - أولى من مراعاة المصلحة الخاصة لا يقال كيف نرده وهو مسلم هذا إذلال للمسلم، نقول: نعم هو إذلال لكن المصالح العامة مقدمة، المهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رده فذهب به الرجلان وفي أثناء الطريق نزلوا يتغدون، فقال أبو بصير لأحدهم يمدح سيفه ويثني عليه فقال لذاك الرجل - والظاهر أنه غبي - قال: نعم ولقد فعلت وفعلت قال أعطني أراه فأعطاه إياه فسله وجبَّ رأسه، الثاني هرب إلى المدينة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلحقه أبو بصير، فلما وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بصير: يا رسول الله، إن الله قد أبرأ ذمتك ووفيت بعهدك، يعني: لا تردني قال: "ويل أمّه مسعر حرب لو يجد له من ينصره لما قال هذا الكلام" كان أبو بصير ذكيًّا عرف أنه سيرده فهرب خارج المدينة وذهب إلى الساحل - ساحل البحر - وجلس على الطريق وكلما مرت عير لقريش عدا عليها وأخذ منها وعلم به المستضعفون - الذين أسلموا بمكة علموا به - فخرجوا إليه فكوَّن عصابة لكن عصابة مسلمة بحف فكانت كلما جاء شيء لقريش أخذوه، فتعبت قريش منهم وأرسلوا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يفكهم من هؤلاء وهو أيضًا في حل، فهذا الَّذي حصل، فجعل الله لهم فرجًا ومخرجًا، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون واثقًا بالله عز وجل في كل شيء.

[النهي عن قتل المعاهد]

١٢٦٣ وعن عبيد بن عمر رضى الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل معاهدًًا، لم يرح رائحة الجنَّة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا". أخرجه البخاريُّ.

"من" شرطية وجملة "لم يرح رائحة الجنة" جواب الشرط وهنا هل العمل لـ "لم" أو العمل لـ "من"؟ نقول أيهما المباشر؟

<<  <  ج: ص:  >  >>