للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«سموا أنتم وكلوا»، مع أن السائلين قد شكوا في كون هؤلاء قد سموا أو لا، وهذا شك في شرط الحل لو كان شرطاً فلا تحل الذبيحة إذا شككنا هل الذابح قد سمى أو لا، ولكنه لا وجه للاستدلال بهذا الحديث على هذه المسألة لوجهين: الوجه الأول: أن هذا الحديث يحتمل ما قبل، ويحتمل أمراً آخر وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لهم في أكله؛ لأن الأصل في الفعل الواقع من أهله أنه واقع على السلامة والصحة لا لأن التسمية ليست شرطاً، وعندنا أدلة أخرى صريحة في اشتراط شرط التسمية لحل الذبيحة، والقاعدة الشرعية: أنه إذا وردت نصوص فيها احتمال ونصوص أخرى لا احتمال فيها فالواجب حمل المحتمل على ما لا يحتمل وهو من المتشابه إلى المحكم وهذه طريقة أهل العلم والإيمان، أما أتباع المتشابه فهي طريقة أهل الزيغ، ولكن لا ينبغي أن يؤخذ من هذه العبارة أن المخالفين في وجوب التسمية المستدلين بهذا الحديث أنهم أهل زيغ؛ لأن منهم علماء أجلة نعلم أن عندهم من النصح للأمة والنصل لله ولكتابه ما ليس عند غيرهم، لكن نقول: هذه الطريق طريق زيغ ضالة غير صحيحة، عندك نصوص محكمة واضحة تريد أن تحملها على المتشابه هذا عكس ما يقتضيه الشرع والعقل، بل احمل المتشابه على المحكم حتى يصير الجميع محكماً، وحينئذ يترجح احتمال أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم في أن هذا الفعل وقع من أهله، والأصل فيما وقع من أهله أنه على السلامة حتى يتبين الفساد.

في هذا الحديث فوائد: منها: اشتراط التسمية لحل الذبيحة، وجه ذلك: أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا، ولولا أنهم قد تقرر عندهم أن اللحم لا يؤكل إلا إذا ذكر اسم الله على الذبيحة ما سألوا، ولكن هذا متقرر عندهم.

ومنها: ورع الصحابة- رضي الله عنهم-؛ حيث سألوا عن هذه المسألة المشكلة، وهذا يدل على ورعهم وتحريهم، فالورع من طريق الصالحين، وحقيقته: أن يدع الإنسان ما فيه مضرة في الآخرة، كل إنسان يدع ما فيه مضرة فإنه يعتبر ورعاً، والزهد أكمل من الورع، الزهد أن يدع ما لا نفع فيه في الآخرة، فكل ما لا نفع فيه من أمور الدنيا إذا تركه الإنسان فهذا زاهد، وكل ما فيه ضرر إذا تركه الإنسان فهو ورع.

ومن فوائد الحديث: أن الفعل إذا وقع من أهله فإنه لا يسأل عنه؛ لأن الأصل السلامة، وإذا كان الأصل السلامة كان السؤال عنه تعتنا، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض بهؤلاء السائلين حيث قال: «سموا أنتم وكلوا» كأنه يقول: لستم مسئولين عن فعل غيركم، فعل غيركم المسئول عنه الفاعل، أما أنتم فمسئولون عن فعلكم، ولهذا قال: «سموا أنتم وكلوا».

ومن فوائد الحديث: وجوب التسمية على الأكل لقوله: «سموا أنتم وكلوا» وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال إن التسمية على الأكل والشرب سنة، ومنهم من قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>