للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا فإذا قلت: وئب الرجل على المعتدي وثبة الأسد أو وثبة؟ وثبة بالكسر لأن المراد الهيئة، أما المرة فهذه تعود إلى نفس الأسد، وعلى هذا تكون القتلة بالكسر أي: هيئة القتل وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة يقال فيها مثل ما قيل في قوله: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة» لكن هذه فيما يؤكل وكذلك إذا نحرتم فأحسنوا النحر وإذا رميتم فأحسنوا الرمي.

المهم أن هذين المثالين ليس على سبيل الحصر ثم قال: «وليحد أحدكم شفرته» اللام هنا لام الأمر ولهذا جاءت ساكنة بعد الواو لأن لام الأمر تسكن إذا وقعت بعد حروف ثلاثة وهي «الواو، وثم، والفاء» قال الله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم} [الحج: ٢٩] وقال تعالى: {ثم ليقطع فلينظر} [الحج: ١٥].

وأما لام التعليل فإنها مكسورة بكل حال وإن وقعت بعد هذه الحروف، وبهذا نعرف غلط من يقرأ قول الله تعالى: «هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد» وجه الغلط: أنه سكن اللام مع وجوب الكسر وهذا اللحن هل يغير المعنى؟ نعم يغير المعنى، ولهذا يجب الفتح على الإمام إذا قرأ هكذا ولينذروا به وليذكر فيقال: ولينذروا وليذكر أولوا الألباب لئلا يختلف المعنى.

وقوله: «شفرته» الشفرة، قيل: إنها السكين العظيمة الكبيرة، والأظهر أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا: مطلق السكاكين، يعني: سكينة، وقوله: «شفرته» أي: الشفرة التي يذبح بها سواء أكانت ملكاً له أو ملكاً لغيره؛ لأن الإنسان قد يستعير السكين ليذبح بها لكنها أضيفت إليه والإضافة تكون لأدنى ملابسة، «وليرح ذبيحته» اللام هنا لام الأمر لأن اللام بعد الواو ساكنة.

فإذا قال قائل: ونستطيع أن نقول: وليرح بالكسر؟ نقول فيه دليل في الفعل لأنها لو كانت لام التعليل لقال: وليريح ذبيحته، وقوله: ذبيحته فعلية بمعنى مفعولة أي: مذبوحته وهل الجملتان بمعنى واحد «وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» لأن حد الشفرة يريح الذبيحة أو هما معنيان مختلفان؟

الجواب: الثاني وهو: أنهما معنيان مختلفان: الراحة لا شك أن حد الشفرة مريح للذبيحة لكن المراد بالإراحة ما هو أشمل وأعم وذلك بأن يذبحها بقوة ونشاط وعزم لا يرخى يده عند الذبح بل يجذب بقوة هذا هو الإراحة، السكين إذا كان حاداً لكن الذابح ضعيف يذبح خفيفاً هل تنفع حدة الشفرة؟ لا، ولهذا قال وليرح ذبيحته بحيث يذبح بقوة ونشاط وسرعة.

في هذا الحديث فوائد: منها: حب الله عز وجل للإحسان لأنه تعالى محسن للعباد ويحب الإحسان إلى العباد، وجه الدلالة: أن الله كتب الإحسان على كل شيء ولولا محبته له ما كتبه على عباده إذ إنه لا يلزم العباد بما لا يحب بل ولا يشرع لهم ما لا يحب إطلاقاً ولهذا الشرع يتعلق بما يحب.

<<  <  ج: ص:  >  >>