للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاف الواقع من باب التورية فاليمين على حسب نية المستحلف الذي عبر عنه بقوله: «صاحبك»، ولا عبرة بنيتك حتى لو نويت نية تخرجك من الإثم، فإن المدار على نية صاحبك، مثال ذلك: إذا قال لك شخص ادعى عليك مائة ريال وأنت تعلم أنه صادق فقلت: والله ما عندي لك مائة، تريد أن «ما» بمعنى: الذي؛ يعني: الذي عندي لك مائة، وهو سيفهم النفي وأنت الآن تثبت أن له عندك مائة، لكن نيتك غير معتبرة، بل النية على حسب ما يصدقك به صاحبك، وهل يبرأ الإنسان فيما إذا حلف هذا الحلف من المائة؟ نقول: أما ظاهرا باعتبار الحكم لو تحاكما إلى قاض فإنه يبرأ؛ لأن القاضي إنما يقضي بنحو ما يسمع لكن عند أحكم الحاكمين-سبحانه وتعالى- لا يبرأ ولا ينفعه هذا التأويل.

في هذا الحديث من الفوائد: أولا: أن الأصل الرجوع إلى نية الحالف ما لم يكن هناك خصم له، فإن كان له خصم فالمرجع نية الخصم، لكن إذا لم يكن خصم فإنه يرجع إلى نية الحالف، لكن العلماء افترضوا أن يحتملها اللفظ، فإن لم يحتملها اللفظ فلا عبرة بها، مثال هذا: لو قال قائل: والله لا أنام الليلة إلا على فراش، ثم توسد كثيبا من الرمل، ونام على الرمل، هو قد أقسم ألا ينام على فراش، وقال: أنا أنوي بالفراش الأرض؛ لأن الله قال: {الذى جعل لكم الأرض فرشا} [البقرة: ٢٢]. والثاني: قال: لا أنام الليلة على وتد-عود يدق بالجوار يعلق به الحوائج- ثم نام على جبل، نقول هذه نيته واللفظ يحتملها، فإن قال: والله لا آكل اليوم خبزا ثم أكل الخبز وقال: أردت بذلك التمر فهل تقبل نيته؟ لا، لماذا؟ لأن اللفظ لا يحتملها. إذن الأصل في الأيمان لإلى نية الحالف إذا احتملها اللفظ، دليل ذلك قوله-تبارك وتعالى-: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيسن} [المائدة: ٨٩] أي: على حسب ما عقدتموه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»، وكذلك هذا الحديث، فإن لم يكن له نية رجعنا إلى السبب الذي هيج اليمين وأثار اليمين، لماذا حلف هذا الرجل؟ نرجع إلى السبب، مثال ذلك: قال له رجل من الناس: إن عمرا يقرر البدعة قال له: صحيح؟ قال: نعم، قال: والله لا أكلم عمرا الذي ذكره لصاحبه، ثم كلمه فهل يحنث؟ نقول: لا يحنث اعتمادا على السبب، كذلك أيضا لو قال: والله لا أدخل هذا البيت بناء على منكرات ذكرت في هذا البلد ثم تبين أنه لا يوجد منكرات، وأن ما نقل عن وجود منكرات ليس بصحيح فهل يدخلها؟ نعم يدخل بناء على السبب، ومثل ذلك: رجل رأى امرأته تكلم إنسانا فقال: أنت طالق بناء على أن هذا الإنسان من غير محارمها ثم تبين أنه محرم لها فهل تطلق؟ لا، بناء على السبب، فإن لم يوجد سبب، لا نية ولا سبب يرجع إلى التعيين-وهي المرتبة الثالثة- يعني: إلى ما عينه الحادث كيف

<<  <  ج: ص:  >  >>