للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد الجنود وأخذ درعه ووضعها بجانب العسكر ووضع عليها برمة، ورآه-أي: رأى ثابت بن قي بن شماس بعض أصحابه في المنام -فأخبره ثابت بأنه مر به أحد الجند وأخذ الدرع ووضعه تحت برمة بجانب العسكر وحوله فرس تستن وكأنه يريد أن يأخذه، فلما أصبح الرجل وذهب إلى المكان وجد الأمر كما قال، وفي هذه الرؤيا أوصاه ثابت بأمور يعهد بها إلى أبي بكر رضي الله عنه، وسبب ذلك أنه وجد قرائن تدل على صدقه، فإذا وجدت قرائن تدل على صدق الرؤيا عمل بها؛ لأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.

ومثله ما ذكره ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أنه أشكل عليه بعض المسائل في الفقه والعلم، منها: أنه يقدم جنائز من أهل البدع لا تدري أمسلمون هم أم كفار؟ ! فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فأسله عن أشياء منها هذه المسألة فقال له: عليك بالشرط يا أحمد بمعنى: أن تشترط في الدعاء فتقول: اللهم إن كان مؤمنا فاغفر له وارحمه، وله شاهد من الوحي في اليقظة، الشاهد ما جاء في آية اللعان في قوله تعالى: {والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين} [النور: ٧]. والمرأة تقول: {أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} [النور: ٩]. فهو دعاء مقيد بشرط، وكذلك في قصة الثلاثة أبرص والأقرع والأعمى، قال الملك لهم: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت عليه، فدل هذا على جواز الاستثناء في الدعاء، إذن فإذا قدم للإنسان شخص اشتهر عنه أنه لا يصلي -ومعلوم أن ترك الصلاة كفر، وأن من ثبت عندنا أنه لا يصلي ومات على ذلك -لا نصلي عليه؛ لأنه كافر ونكفره بعينه، ولا نستوحش من هذا؛ لأننا لو استوحشنا وقلنا: نفكر الفعل دون الفاعل فهذا خطأ لم يبق أحد كافرا، نكفره بعينه ونقول: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، فإذا قدم إليك رجل تشك فيه فلك أن تقول: اللهم إن كان مسلما فاغفر له وارحمه.

ومن فوائد هذا الأثر عن عمر: أن الواجب أخذ الناس بظواهرهم لقوله: "وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لها من أعمالكم"، ويؤيد هذا القول من أمير المؤمنين عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل المنافقين معاملة المسلمين حتى قيل له في قتلهم، قال: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"، وكذلك يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر ملكم، وإنكم تختصون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع»، فنحن في هذه الدنيا لا نعامل الناس إلا على ظواهرهم، أما في الآخرة فالعمل على البواطن.

<<  <  ج: ص:  >  >>