للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمكن أن أرخص لهذا أن يشاركني فيها، اضطررنا الآن إلى القرعة، وهذه أوضح من الصورتين اللتين ذكرتهما؛ أولا: لأنها واضحة وهي ما إذا كانت العين المدعى بها بيد ثالث وأراد كل منهما أن يحلف ليأخذها فنقول إن اصطلحا على شيء من أي نوع من الصلح ما لم يحرم حلالا أو يحلل حراما فعلى ما اصطلحا وإلا أقرع بينهما، فمن قرع فهي له.

ففي هذا الحديث: عرض اليمين عليه اليمين فإنه لا عبرة بحلفه كما قاله الفقهاء -رحمهم الله-[حيث] قالوا لا عبرة بحلف المنكر ما لك يعرضها عليها القاضي.

ومن فوائد الحديث: جواز القرعة إذا اشتبه الأحق من غيره فإنه لابد للتمييز من القرعة، يعني: إذا تعذر التمييز بغير القرعة فلابد من القرعة، وقد جاءت القرعة في القرآن في موضعين:

الموضع الأول: قصة يونس لما ركب السفينة وكانت محملة كثيرا، فاضطروا أن يلقوا بعض الركاب فساهم فكان هو من الذين يلقون في البحر.

والثاني: قوله تعالى: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكقل مريم} [آل عمران: ٤٤]. والله عز وجل إذا حكى لنا ما سبق من أفعال الأمم فهو دليل على أنه جائز.

أما في السنة فقد جاءت في مواضع منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجلين يتشاحنان على الأذان يستهما، وكذلك على الصف الأول. "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا"، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، وفي استعمال القرعة فائدة وهي: أنه إذا تعذر التعيين رجعنا إلى القرعة.

فإن قال قائل: القرعة فيها غرر.

قلنا: لكن هذا الغرر بالتساوي لا يختلف أحدهما عن الآخر ولابد منه، ولهذا لو كان متاع بين شخصين على المناصفة وقسماه ثلثين وثلثا ثم قالا: نقرع أينا يكون له الثلث وأينا يكون له الثلثان، هذا لا يجوز هذا ميسر؛ لأنه إذا قرع صاحب الثلث أخذ دون ماله ويأخذ صاحب الثلثين أكثر من ماله، أما إذا كان الأمر بالتساوي فإنه لابد من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>