للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمهات والآباء أيضًا من أكبر الكبائر، وبرهما من أفضل الأعمال، والإنسان مع والديه له ثلاث حالات بر، وقطيعة، ولا بر ولا طيعة، أما القطيعة فهي كبائر الذنوب، وأما البر فهو من أفضل الأعمال وأما ما لا بر ولا قطيعة فهذا محرم، لكن لا يصل إلى حد الكبيرة محرم لأنه ترك للواجب الذي أمر الله بهن وهو البر والإحسان، لكن لا يصل إلى حد الكبيرة؛ لأن الكبائر إنما هي في العقوق، فصارت معاملة الإنسان لوالديه على ثلاثة أحوال بر، وعقوق ولا بر ولا عقوق، فالبر واجب وإحسان وفضل وأجر، والعقوق كبيرة من كبائر الذنوب، وإساءة، وما لا هذا ولا هذا فهو حرام، لكنه لا يصل إلى حد الكبيرة، وإنما حرم الله العقوق لما فيه من جحد النعمة وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من صنع إليكم معروفًا فكافئوه» فأي معروف من الآدميين غير النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من معروف الوالدين؟

لا شيء؛ ولهذا قال الله تعالى: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا} [الإسراء: ٢٤]. والكاف هنا للتعليل يعني: لأنهما ربياني صغيرا فلا نعمة من العباد بعد إنعام النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من نعمة الوالدين على الولد، وكان من الأمثال العامية إن البر أسلاف، يعني: إذا بررت بوالديك بر بك أولادك.

ومن فوائد الحديث: تحريم وأد البنات، لقوله: "إن الله حرم"، ثم قال: "وأد البنات"، والأولاد من باب أولى، وهل وأد البنات والبنين من كبائر الذنوب؟ نعم؛ لأنها قطيعة رحم أم عقوق؟ قطيعة رحم؛ لأن العقوق خاص بالوالدين، إذن هي قطيعة رحم ولأنها قتل للنفس وقتل النفس {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها ... } [النساء: ٩٣] الآية. وبما أن التحريم لله صار قتل الولد في بعض الأحيان قربة من قربات؛ لأن التحريم والتحليل لله. وذلك في قصة إبراهيم وإسماعيل فإن الله تعالى أمر إبراهيم بأن يقتل ولده إسماعيل، وولده إسماعيل هو أول أولاده {فأما بلغ معه السعي} وتعلقت به نفسه تعلقًا شديدًا لأن أكبر ما يتعلق الإنسان بولده إذا كان قد بلغ معه السعي، الصغير لا يلتفت إليه غالبًا والكبير الذي انفصل أيضًا لا يلتفت إليه لكن الصغير الذي يذهب معه ويرجع معه تتعلق به النفس أكثر، ومع ذلك أمر بأن يذبحه {إني أرى في المنام أني أذبحك} فتأمل الآن قتل الأولاد من كبائر الذنوب، وإذا أمر الله به صار قربة وطاعة، السجود لغير الله شرك وإذا أمر الله به صار قربة وطاعة: {وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لآدم فسجدوا} [البقرة: ٣٤].

ومن فوائد الحديث: تحريم طلب ما لا يستحقه الإنسان؛ لقوله: "هات"، وتحريم منع ما يجب من قوله: "منعًا وهات"، هذه الحال كما قلنا تدل على أن الإنسان مجبول على البخل يمنعه وعلى الشح بطلبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>