للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك"، من حلية الجار؟ زوجته أو سريته، لكن الغالب أنها تطلق على الزوجة كما قال تعالى: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} [النساء: ٢٣]. "حلائلهم" يعني: زوجاتهم، يقول: "أن تزاني بحليلة جارك" قد يتوقع الإنسان أن يقول لفظًا آخر وهو: "أن تزني فلماذا قال: "تزاني"؟ لأن "تزاني" فيه نوع معالجة، وهذه المعالجة يحتمل أن تكون معالجة على الفعل أو معالجة على الترك، أما المعالجة على الفعل فيعني أن الحليلة توافق على هذا وتنقاد، وأما المعالجة على الترك فيعني: أن الحليلة - حليلة الجار - تأبى، ولكن يكرهها أو يخدعها أو غير ذلك، وعلى كل حال فالمفاعلة تدل على اشتراك اثنين فأكثر فيها، والجار: ما عده الناس جارًا.

في هذا الحديث فوائد: أولاً: حرص الصحابة رضي الله عنه على السؤال من أجل أن يقوموا بما يلزم، ليس من أجل أن يفهموا أن هذا حلال وهذا حرام، بل ليعملوا بما هو واجب ويدعوا ما هو محرم.

ومن فوائد الحديث: حرص ابن مسعود رضي الله عنه على معرفة أكمل الأعمال وأكمل الآثام، ففي أكل الأعمال قال: "أي الأعمال أحب إلى الله وفي أكمل الآثام قال: "أي الذنب أعظم".

ومن فوائد الحديث: أن الذنوب تتفاوت في العظم كما أن الأعمال الصالحة تتفاوت أيضًا في الفضل، يلزم من ذلك تفاوت العمال، فإذا تفاوت العمل لزم أن يتفاوت أيضًا في الفضل، يلزم من ذلك تفاوت العمال، فإذا تفاوت العمل لزم أن يتفاوت العامل، وعلى هذا فيمكن أن يكون في الإنسان خصال كبيرة من الذنوب وخصال صغيرة من الذنوب.

ومن فوائد الحديث: أن الشرك أعظم الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك».

ومن فوائد الحديث: سفاهة أولئك القوم الذين أشركوا بالله في عبادته؛ حيث أشركوا به في عبادته ولم يشركوا به في خلقه، ولهذا قال: "وهو خلقك"، المشركون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سئلوا من خلقهم قالوا: الله، {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف: ٨٧]. قال الله تعالى: {فأنى يؤفكون} أي: كيف يصرفون عن الحق وهم مقرون بما يقتضيه؟ !

ومن فوائد الحديث: أن الخالق هو الله وحده، فعلى الإنسان أن يتذكر من أوجده من العدم؟

الجواب: الله عز وجل لا الأبوان ولا غيرهما، لكن الأبوان سبب لاشك، وأما الذي خلقك فهو الله عز وجل، وقد أشار الله عز وجل إلى ذلك في قوله: {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إنثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا} [الشورى: ٤٩، ٥٠]. فالأقسام أربعة، كل هذا يعود إلى الله عز وجل، لا الأب يستطيع أن يجعل الجنين ذكرًا ولا الأم تستطيع أن تجعله أنثى.

<<  <  ج: ص:  >  >>