للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبينهما مشتبهات ... إلخ» فقسم الرسول (صلى الله عليه وسلم) الحرام والحلال إلى قسمين: قسم بين ظاهر لا يخفى على أحد، وقسم مشتبه، والاشتباه إما أن يكون في الدليل أو في الاستدلال أو في المدلول، هذه ثلاثة أقسام، وأما البين فبين فمثلا حل الطيبات بين، تحريم الخبائث بين، الميتة تحريمها بين، الخنزير تحريمه بين، الزنا تحريمه بين، وأشياء كثيرة، والحلال أيضا بين، هناك أمور مشتبهات لم يذكر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الواجب؛ لأن الحديث موضوعه عن الأمور التي يتغذى بها الإنسان ويأكلها، وإلا فالواجب لاشك منه بين ما هو مشتبه. «بينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس»، و «يعلمهن كثير من الناس» يعني: الناس يختلفون فيه، الرسول لم يقل: لا يعلمهن أكثر الناس، بل قال «كثير»، أي: كثير من الناس يعلمهن، والكثير تطلق على هذا وهذا كما قال الله تعالى: {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: ١٨]. من الذي يعلمهن؟ يعلمهن أهل العلم الراسخون فيه الذين يعلمون نصوص الشارع، ويعرفون كيف يستدلون بها ويعرفون المدلول، مثلا: العلم بالدليل لابد أن يكون الإنسان يعرف الدليل؛ هذا حلال هذا حرام من القرآن أو من السنة أو منهما أو من إجماع السلف، الاستدلال يعرف العام الذي يتناول جميع الأفراد، يعرف الخاص الذي لا يتناول إلا شيئاً معيناً، يعرف المطلق من المقيد وما أشبه ذلك، يعرف المدلول؛ أي: يعرف أن الدليل أنطبق على هذا الشيء بعينه، مثال ذلك: إذا اختلط الخمر بشراب حلال ولكنه لم يؤثر فيه إسكاراً هل هو حلال أو حرام؟ حلال، اشتبه على بعض الناس فظن أنه حرام بحجة: «ما أسكر كثيرة فقليله حرام»، هنا الخطأ في الاستدلال، الدليل واضح صريح: «ما أسكر كثيرة فقليله حرام»، هؤلاء اشتبه عليهم الأمر فظنوا أن معنى قول (صلى الله عليه وسلم): «ما أسكر كثيرة فقليله حرام» ظنوا أن معناه: ما كان فيه شيء قليل من مسكر فهو حرام وليس كذلك؛ لأن معنى الحديث: أن هذا الشراب لو أكثرت منه لحصل الإسكار، ولو أقللت منه لم يحصل الإسكار، فهل يجوز القليل منه الذي لا يحصل به الإسكار؟ الجواب: لا، هذا معنى الحديث: وليس معنى الحديث ما كان فيه جزء يسير من الخمر فهو حرام، لأننا نقول: لو أن عندك ماء سقط فيه نجاسة يسيرة لم تؤثر فيه شيء ما حكمه؟ طهور تشرب منه وتتوضأ منه وتطهر منه الثوب والبدن مع أن فيه جزءاً يسيراً من النجاسة، لكن هل النجاسة انحلت فيه [وغيرته]؟ لا، فلم يبق لها حكم، كذلك الخمر لو سقطت نقطة في كأس لكنها لا تؤثر فيه إطلاقا، لو تشرب عشرين كأسا ما حصل الإسكار، إذن الدليل واضح، الاستدلال غير صحيح، ولهذا يحصل الاشتباه عند بعض الناس. كذلك أيضا قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام»، فقالوا: يا

<<  <  ج: ص:  >  >>