للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يقع الاشتباه في الحكم، لكون الفرع متردداً بين أصول تجتذبه، كتحريم الرجل زوجته، فإن هذا متردد بين تحريم الظهار الذي ترفعه الكفارة الكبرى، وبين تحريم الطلقة الواحدة بانقضاء عدتها الذي تباح معه الزوجة بعقد جديد، وبين تحريم الطلاق الثلاث الذي لا تباح معه الزوجة بدون زوج وإصابة، وبين تحريم الرجل عليه ما أحله الله له من الطعام والشراب الذي لا يحرمه، وإنما يوجب الكفارة الصغرى، أولاً: يوجب شيئاً على الاختلاف في ذلك فمن هاهنا كثر الاختلاف في هذه المسألة من زمن الصحابة فمن بعدهم.

*تعليق الشيخ:

-ذكر فيها أكثر من عشرة أقوال هذه المسألة إذا حرم الرجل زوجته، هل هو ظهار هل هو طلاق بائن، هل هو طلاق رجعي، هل هو يمين هل هو لغو؟ هذا فيه خلاف عن العلماء، والصواب أن الأصل أنه يمين إذا حرم زوجته فقال: زوجتي على حرام أو قال: أنت علي حرام فالأصل أنه يمين، لقوله الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: ٢، ١]. ولاشك أن الزوجة مما أحل الله له، فتدخل في العموم فإن أراد الطلاق صار طلاقاً وإن أراد أنها حرام في حكم الله وشرعه كان كاذباً؛ لأن الله ما حرمها، فعلى كل حال نأخذ بالأصل، والأصل أن قول الرجل لزوجته: أنت على حرام، الأصل أنه يمين ودليله ما سمعتم [آية التحريم].

*قال ابن رجب:

وبكل حال، فالأمور المشتبهة التي لا يتبين أنها حلال ولا حرام لكثير من الناس، كما أخبر به النبي (صلى الله عليه وسلم)، قد يتبين لبعض الناس أنها حلال أو حرام، لما عنده من ذلك من مزيد علم.

*قال الشيخ:

ونضيف أيضا أو نزيد فهماً.

*قال ابن رجب:

وكلام النبي (صلى الله عليه وسلم) يدل على أن هذه المشتبهات من الناس من يعلمها، وكثير منهم لا يعلمها، فدخل فيمن لا يعلمها نوعان: أحدهما: من يتوقف فيها، لاشتباهها عليه.

الثاني: من يعتقدها على غير ما هي عليه، ودل كلامه على أن غير هؤلاء يعلمها، ومراده أنه يعلمها على ما هي عليه في نفس الأمر من تحليل أو تحريم، وهذا من أظهر الأدلة على أن المصيب عند الله في مسائل الحلال والحرام المشتبهة المختلف فيها واحد عند الله (عز وجل)، وغيره ليس بعالم بها، بمعنى: أنه غير مصيب لحكم الله فيها في نفس الأمر، وإن كان يعتقد فيها اعتقاداً يستند فيه إلى شبهة يظنها دليلاً، ويكون مأجوراً على اجتهاده، ومغفوراً له خطؤه لعدم تعمده.

<<  <  ج: ص:  >  >>