للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*تعليق الشيخ:

-ما ذكره من ضمان الزروع إذا أتلفته البهائم صحيح يعني: إذا أرسل بهيمته بقرب الزرع فإنه ضامن، لأنه أرسلها بقربه، ومعروف أن البهيمة إذا أرسلت بقرب الزرع سوف ترعى وتذهب إليه، سواء في الليل أو في النهار، لكن لو أرسلها بعيداً عن المزارع ثم هي مشت إلى المزارع وأكلت في النهار، فإنه ليس على صاحبها ضمان؛ لأن المزارع بالنهار على أصحابها أن يحفظوها ويحموها، والليل بالعكس، ووجه ذلك ظاهر؛ لأن الناس يطلقون مواشيهم في النهار توعى وتجول يميناً وشمالاً وأهل المزارع أيضا يقظون يشتغلون في مزارعهم يحمونها، أما في الليل فالأمر بالعكس ما أتلفت البهيمة من الزرع في الليل فهو على صاحبها ولو كان أرسلها بعيداً عن الزرع وذلك لأن أهل المزارع نائمون لا يستطيعون حمايتها، وأهل المواشي جرت العادة أنهم في الليل يحفظون مواشيهم.

*قال ابن رجب:

وقوله (صلى الله عليه وسلم): «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرمات واتقاء للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه. فإن كان قلبه سليماً، ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقى الشبهات حذراً من الوقوع في المحرمات. وإن كان القلب فاسداً، قد استولى عليه إتباع هواه، وطلب ما يحبه، ولو كرهه الله، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب إتباع هوى القلب. ولهذا يقال: القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، وهم مع هذا جنود طائعون له، منبعثون في طاعته، وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيء من ذلك، فإن كان الملك صالحاً كانت هذه الجنود صالحة، وإن كان فاسداً كانت جنوده بهذه المثابة فاسدة، ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم، كما قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٩) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: ٨٩، ٨٨]. وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول في دعائه: «أسألك قلباً سليماً». فالقلب السليم: هو السالم من الآفات والمكروهات كلها، وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله وما يحبه الله، وخشية الله، وخشية ما يباعد منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>