للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب: أن هذا من باب الإخبار الديني، والإخبار الديني يستوي فيه المرأة والرجل، حتى لو أن المرأة شهدت بغروب الشمس فإن للصائم أن يفطر، ولو شهدت برؤية الهلال فإن على الناس أن يصوموا وهي امرأة، قالوا: لأن هذا خبر ديني فقبلت فيه المرأة يقول صلى الله عليه وسلم: "إن رجالاً" ورجال هذه نكرة في سياق الإثبات والنكرة في سياق الإثبات تدل على الإطلاق لا تدل على العموم، فكأنه قال: إن من الرجال، لأن النكرة في سياق الإثبات تدل على الإطلاق إلا في موضع واحد إذا كانت في سياق الإثبات على وجه الامتناع فإنها تكون للعموم، "إن رجالاً بتخوضون" هذه من الخوض، والخوض هو: الشيء الباطل الذي يتصرف فيه الإنسان تصرفاً أهوج كما قال الله تعالى: {الذين هم في خوضٍ يلعبون} [الطور: ١٢]. والتخوض في المال نوعان: سابق ولاحق فأما التخوض السابق فمعناه: أن يكتسب الإنسان المال من أي وجه كان حلالاً أو حراماً، المهم أن يجمع المال هذا تخوض، نقول: إنه تخوض سابق على كسب المال، والتخوض اللاحق هو الذي يكون بعد كسب المال لا يحسن التصرف فيه يتخوض فيه يميناً وشمالاً بالملاهي والملذات وغيرها من الأشياء التي لا تنفع بل هي إضاعة للمال، وقوله: "بغير حق" الظاهر أنها صفة كاشفة وليست صفة مقيدة أي: تبين أن كل خوض في المال فإنه بغير حق وليست صفة مقيدة لأنها لو كانت صفة مقيدة لكان الخوض ينقسم إلى قسمين: حق وباطل وهذا ليس بوارد، التخوض كله باطل، فعلى هذا يكون قوله: "بغير حق" صفة كاشفة والصفة الكاشفة لا تفيد التقييد وإنما تفيد التعليل، مثال ذلك {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم} [البقرة: ٢١]. لو جعنا الذي خلقكم والذين من قبلكم صفة مقيدة لكان لنا ربان: أحدهما الذي خلقنا والذي من قبلنا، والثاني لا، ولكنها صفة كاشفة أي: مبنية للواقع وتفيد التعليل أي: من أجل كونه هو الخالق يجب أن تتقوه، قوله: "في مال الله".

قد يقول قائل: إن المراد به التخوض في الأموال الشرعية كالزكاة والغنيمة والفيء والخراج وما كان في بيت المال، نقول: هذا احتمال وارد لا شك، والتخوض في هذه الأموال أشد من التخوض في مال الفرد الحر، لأن التخوض في مال الفرد الحر، يمكن للإنسان أن يبدأ منه يطلب المسامحة أو المعاوضة أو ما أشبه ذلك، لكن المشكل أن يتخوض في مال عام كأموال الزكاة والغنيمة والفيء، اقول: إن هذا وارد أن يكون قوله: "في مال الله" أي: الأموال الشرعية ويحتمل أنه عام كما في قوله تعالى: {وءاتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور: ٣٣]. وهذا ليس المراد به الأموال الشرعية، وعلى هذا فيكون قوله: في مال الله: يشمل جميع الأموال الشرعية والمكتسبة، وقوله: "فلهم النار يوم القيامة" وهذا وعيدٌ والجملة هنا مربوطة بالفاء.

في هذا الحديث فوائد: أولاً: تحريم التخوض في المال وأن ذلك من الكبائر وجه الدلالة

<<  <  ج: ص:  >  >>