للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفساد في الأرض شر هل يحيه الله؟ لا، وهل يريده كوناً؟

الجواب: نعم {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا} [الروم: ٤١]. ولهذا جاء في الحديث: «تؤمن بالقدر خيره وشره»، وجاء في الحديث: «والشر ليس إليك»، ولا تناقض بينهما؛ لأن الشر في القدر هو في المقدور فقط، أما في التقدير فلا؛ ولهذا بجب علينا ان نرضى بقضاء الله وإن كان المقضي شراً؛ وأما المقدور فعلى حسب الحال نرضى أن الله قدر المعاصي؛ لأنه رب يفعل ما يشاء، لكن لا نرضى بالمعاصي؛ ولهذا أعجبني كلما قالها شيخ الإسلام رحمه الله لما ذكر حكم السلف في أهل الكلام، ومن أشد من حكم فيهم الشافعي رحمه الله قال: حكمي في أهل الكلام - يعني: الأشعرية والمعتزلة والجهمية - أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام، عقوبة شديدة؛ يعني: يؤتى بأكبر عالم منهم طويل العمامة كبير الهامة ويطاف به في العشائر والأسواق ويُضرب بالجريد والنعال نكايه به، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة أقبل على علم الكلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهم مستحقون لما قاله الشافعي رحمه الله من وجه/ الوجه: مخالفتهم للشرع، فيستحقون التأديب حتى ينكل بهم، لكن من نظر إليهم بعين القدر رق عليهم ورحمهم، مساكين ضلوا، فيرق لهم ويرحمهم، لكن في دين الله لا يرحمهم، قال الله عز وجل: {الزانية والزانى فاجلدوا كل وحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} [النور: ٢].

أما من نظر من ناحية القدر فقد يرأف بهم، يقول: مساكين غلبهم الشيطان ولعب بهم، اتبعوا الشهوات فيرق لهم، لكن، لا ترحم أحداً في دين الله رحمة الإنسان في دين الله أن تعاقبه على شريعة الله.

إذن نقول: الإرادة الكونية لابد فيها من وقوع المراد، وتتعلق فيما يحبه الله وما لا يحبه، انظر قول الله تعالي: {ولو شاء الله اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينت ولكن اختلفوا فمنهم من ءامن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولمن الله يفعل ما يريد} [البقرة: ٢٥٣]. وهو عز وجل لا يريد القتال، لكن لابد أن يقع مراده - جل وعلا.

الإرادة الشرعية تتعلق بما أحبه، ولا يلزم منها وقوع المراد، فالله يريد منا أن نستقيم وأن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونطيعه في كل ما أمر يريد منا ذلك إرادة شرعية، لكن هل كل واحد منا فعل ذلك؟ الجواب: لا.

<<  <  ج: ص:  >  >>