للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمن الضعيف عند الإنسان، فقال: "وفي كل خير"، ولهذا نظائر منها قوله تعالى: {ولا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقتلوا} فذكر هنا مفضلاً ومفضلاً عليه ربما يكون في النفوس أن المفضل عليه نازل المرتبة، فقال بعد ذلك: {وكلا وعد الله الحسنى} [النساء: ٩٥].

ومن ذلك قوله تعالى: {وداود وسليمن إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غني القوم وكنا لحكمهم شهدين (٧٨) ففهمنها سليمن} أثني على سليمان بأن الله فهمه الحكم الصحيح الموافق للصواب، ثم قال: {وكلا ءايتنا حكماً وعلماً} [الأنبياء: ٧٨، ٧٩]. لأن هذا الاحتراز ضروري، لأنه إذا قال فهمناها سليمان وبما يفهم السامع أن ذلك يعني: حجبناها عن داود، فقد يكون في قلب الإنسان تنقص لداود - عليه الصلاة والسلام، فقال: "المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"، لئلا يظن الظان أن المؤمن الضعيف لا قيمة له، وقوله: "وفي كل خير" يعني: كل مؤمن فيه الخير.

"احرص عن ما ينفعك"، "احرص" بكسر الراء، وحرص يفتح الراء، وأظنه فيها لغة لكنها قليلة: حرص، لكن المشهور حرص بالفتح، قال الله تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف: ١٠٣]. وقال تعالة: {إن تحرص على هداهم} [النحل: ٣٧]. فهنا فعل الأمر هل تبع الماضي أو المضارع؟ المضارع؛ إذ لو تبع الماضي لقال: احرص، وذلك للقاعدة النحوية التي تقول: إن فعل الأمر فعل مضارع مجزوم حذف منه أداة الجرم وحرف المضارعة، وهذا يفيدك فيما لو قلت: صغ فعل أمر من نام ماذا نقول؟ نم وليس نم، طبقها على القاعدة تقول: لم ينم، لو حذفت لم ثم ياء المضارعة تبقى نم، كيف تصوغ فعل الأمر من خاف؟ خف الله، نقول: لم يخف الله، احذف لم ثم الياء صارت خف، صغ فعل أمر من رأي، تقول: رء؛ لأنك تقول: لم يرء، احدف لم، ثم احذف الياء، رء، صغ فعل أمر من وقى؟ ق هذه خرجت عن بنية الكلمة. لأنك تقول: لم يق، احذف لم وياء المضارع تبقى ق، هذا ضابط مفيد للإنسان، يقول الإنسان: فعل الأمر من خاف خف يا فلان، نقول: هذا غلط الصواب أن نقول: خف؛ لأن فعل الأمر مضارع حذف منه أداة الجرم وياء المضارعة.

إذن نقول: احرص ولا نقول: احرص على ما ينفعك في الدين، وفي الدنيا والأشياء ثلاثة: نافع وضار، وما لا نفع فيه ولا ضر، فما اله ي يؤمر الإنسان بالحرص عليه؟ هو النافع، أما الضار فينهى عنه؛ وأما ما لا نفع فيه ولا ضرر فلا يؤمر به، وينظر ما نتيجته قد تكون خيراً وقد تكون شراً، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك" هذا مما لك به قدرة، ولكن هل تعتمد على نفسك؟ لا، ولهذا قال: "واستعن بالله" لا تعتمد على نفسك، قال الشاعر: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>