للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حال؛ يعني: لا تتحول الأحوال من حال إلى حال إلا بالله، ولا يستطيع أحد أن يحول الرخاء إلى شدة والشدة إلى رخاء إلا الله عز وجل، فيكون "حول" بمعنى: تحول أو بمعنى تحويل، تحول إذا كان التحول بذات الشيء تحويل إذا كان بفعل فاعل.

وقوله: "ولا قوة" أي: لا قوة على هذا التحول إلا بالله عز وجل، يعني: لا أحد يقوى على تحويل شيء إلى شيء أو التحول من شيء إلى شيء إلا بالله عز وجل، وعلى هذا فيكون معنى هذه الجملة العظيمة التبرؤ من الحول والقوة، وتفويض ذلك إلى الله عز وجل وحده؛ ولهذا كانت هذه الكلمة كلمة استعانة، والذين يأتون بها في محل كلمة الاسترجاع إنما يقصدون بذاك الاستعانة على الصد على هذه المصيبة، أعنى: أن كثيراً من الناس إذا أصيب بمصيبة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا قيل له: حصل كذا وكذا من المعاصي وغيرها يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن المشروع أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا هو ذكر المصائب، لكن من قال: لا حول ولا قوة إلا

بالله عند المصائب له وجه، وهو أنه قصد الاستعانة على الصبر الذي هو مأمور به، نحن إذا سمعنا المؤذن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، استرجاعاً أو استعانة؟ استعانة؛ لأن المؤذن دعاك: حي على الصلاة أقبل، حي على الفلاح الذي يكون بالصلاة، فنقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا الذكر متضمن لقول السامع سمعنا وأطعنا.

في هذا الحديث: الحث على قول هذه الأذكار وهي: "لا إله إلا بالله، وسبحان الله، والله أكبر، والحمد لله، ، ، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، وهل يشترط أن يقولها جميعاً وإلا لم تكن من الباقيات؟ الجواب: لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: الباقيات الصالحات أن يقول كذا وكذا حتى مقول: إن الكلام جملة واحدة، ولكنه قال: الباقيات هذه وهذه وهذه وهذه، وعلى هذا فيكون كل واحدة من الباقيات الصالحات.

ومن فوائد الحديث: أن الذي يبقى للإنسان هو العمل الصالح، وأما المال والبنون فإن استعان بذلك على طاعة الله صارت من الباقيات وإلا فهي من الفانيات، تفنى بفناء الدنيا.

ومن فوائد هذا الحديث: تفسير القرآن بالسنة، وهذا له أمثلة كثيرة، وقد قال العلماء -رحمهم الله-: إن الواجب في التفسير أن ترجع أولاً تفسير الله عز وجل، ثم إلى تفسير الرسول، ثم إلى تفسير الصحابة، ثم إلى تفسير علماء التفسير من التابعين، فهذه أربع رتب: الرتبة الأولى: الرجوع إلى تفسير الله، فالله تعالى أعلم بمراده، فإذا فسر شيئاً بشيء فلا عدول عنه، مثال ذلك: {القارعة * ما القارعة * وما أدراك ما القارعة * يوم يكون الناس ... } [القارعة: ١ - ٤]. وأمثلته كثيرة، ثم تفسير النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أعلم الخلق بمراد الله كما معنا في هذا الحديث: الباقيات

<<  <  ج: ص:  >  >>