للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الله تعالى قال: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف: ٣١]. فأمر بحفظ النفس والإبقاء عليها، ونهى عن الإسراف، والإسراف- كما شرحناه- هو مجاوزة الحد.

ومن فوائد الحديث: إثبات أن الله تعالى أعلم بالإنسان من نفسه لقوله: "وما أنت أعلم به مني"، والإنسان إذا علم بذلك فسوف يستحي من الله تعالى أن يجده في محل نهاه عنه أو يفقده في محل أمره به، مادامت تعلم أن الله يعرف حالك السرية والجهرية، فإنك لابد أن تستحي من الله عز وجل.

ومن فوائد الحديث: إثبات صيغة أفضل في علم الله لقوله: "أعلم"، وهذا واقع كثيرًا في القرآن، قال الله تعالى: {إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} [القلم: ٧]. والعجب الذي لا ينقضي أن بعض العلماء- عفا الله عنا وعنهم- قالوا: أعلم بمعنى عالم؛ لأن اسم التفضيل يستلزم المشاركة أو الاشتراك بين المفضل والمفضل عليه في أصل المعنى، وإذا أثبت ذلك صار هذا نوعًا من الشرك، ولهذا يفسرون "أعلم" في القرآن بعالم وهذا من الخطأ المحض من جهتين: الجهة الأولى: أن هذا إبطال لما دل عليه القرآن، والقرآن نزل باللغة العربية، واللغة العربية تفرق بين أعلم وعالم، ثانيًا: أنك إذا جاءت آية بمعنى عالم فقد أثبت العلم لله ولغيره على حد سواء؛ لأن الله عالم، ونحن أيضًا عالمون، قال الله تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للنَّاس وما يعقلها إلاَّ العالمون} [العنكبوت: ٤٣]. لكن إذا قلت: الله أعلم، حينئذ نميز الخالق من المخلوق وهذا هو الأكمل، قال الله تعالى: {ولله المثل الأعلى} [النحل: ٦٠]. ولهذا نقول: الله أعلم وأقدر وأبصر وأقوى ... الخ، الصفات التي يشترك في أصلها الخالق والمخلوق فله منها أكملها وأعلاها، هذه قاعدة معروفة عند الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان قد يؤاخذ على هزله كما يؤاخذ على جده لقوله: "اللهم اغفر لي جدي وهزلي"، وحينئذٍ يجب على الإنسان أن يحترز ويحترس من المزح، ولاسيما المزح الكثير، فإن المزح الكثير يوقع دائمًا في الخطأ، ولهذا يقال: المزح في الكلام كالملح في الطعام إن خلا منه الطعام فقد جزءًا كبيرًا من الطعم اللذيذ، وإن كثر أيضًا فسد، ولهذا اجعل المزح موزونًا في محله لا تمزح في موضع الجد، ولا تجد في موضع المزح، والإنسان الحكيم العاقل ينزل كل حال منزلتها.

ومن فوائد الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل الله أن يغفر له ما قدم وما أخر، وهنا يوجد إشكال، كيف يسأل الرسول أن يغفر ما قدم له وما أخر، وقد قال الله له: {ليغفر لك الله ما تقدَّم من

<<  <  ج: ص:  >  >>