للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: أنه لا حرج على الإنسان أن يسأل الله تعالى إصلاح معاشه؛ لقوله: «أصلح لي دنياي التي فيها معاشي» , وكل إنسان يريد أن تصلح له الدنيا؛ لأنها لو فسدت لكان ذلك سبباً في فساد دينه؛ لأن الإنسان إذا اشتغل بتحصيل معاشه فربما يصده عن أشيا كثيرة من الدين, وإن كان تحصيل المعاش من الدين كما جاء في الحديث, «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في السبيل» أو قال: «كالصائم لا يفطر والقائم لا يفتر».

ومن فوائد الحديث: سؤال الإنسان ربه أن يصلح آخرته.

ومن فوائده: أن الآخرة هي التي إليها المعاش, وبهذا نبين خطأ العبارات التي نسمعها كثيراً في الرجل إذا مات يقولون: عاد إلى مثواه الأخير, هذا غلط عظيم, ولو أن الإنسان اعتقد مقتضاه لكان كافراً؛ لأن مضمون قوله: "مثواه الأخير" أنه لا بعث, وإنكار البعث كفر.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان ينبغي له أن يسأل الله أن يكون طول حياته زيادة له في الخيرات لقوله: «اجعل الحياة زيادة» يعني: طول الحياة زيادة لي في كل خير.

ومن فوائده: أن الإنسان ربما يكون موته راحة له من شرور وفتن مقبلة, ولهذا يقول: «اجعل الموت راحة لي من كل شر».

فإن قال قائل: هل في هذا تمني الموت؟

الجواب: لا؛ لأنه لم يقل: أمتني, وإنما قال: «اجعل الموت راحة لي من كل شر» , وكذلك الحديث الذي أشرنا: «إن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» , وكذلك: «توفني إذا علمت الوفاة خيراً لي» كل هذا مقيد.

فإن قال قائل: يرد على قولك أنه لا يتمنى الموت إلا مقيداً قول مريم رضي الله عنها: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً} [مريم: ٢٣].

نقول: إن مريم لم تتمن الموت سبقاً, وإنما تمنت أنها ماتت ولم تحصل هذه الفتنة؛ لأن هذا الذي حصل لها أمر عظيم, ولهذا لما جاءت إلى قومها بابنها تحمله قالوا: {لقد جئت شيئاً فرياً (٢٧) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوءٍ وما كنت أمك بغياً} [مريم ٢٧ - ٢٨]. إشارة إلى أنها هي بغي, والقصة مكملة في القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>