للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته لا يورث, فصلى ركعتين فسألته, فقال: «شغلت عن ركعتين بعد الظهر فصليتهما الآن» , «شغلت» , والذي شغله وفد, وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى المصالح فيقدم العليا على ما دونها, فكونه يستقبل هؤلاء الوفد ليؤلف قلوبهم ويجلب المحبة منهم له ومنه لهم؛ أفضل من كونه يصلي الراتبة سواء بنية قضائها أو بغير نية قضائها, «فقلت: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا» , ومرادها: أفنقضيهما في هذا الوقت؟ قال: «لا»؛ لأن هذا الوقت وقت نهي, وهما - أي: الركعتان - تطوع, وليس هناك سبب يبيح أن تصليا في وقت النهي؛ لأنه بالإمكان أن يصليهما بعد المغرب لكن هذا مما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم, وسيأتي في الفوائد.

***

[٢ - باب الأذان]

قال المؤلف - رحمه الله تعالى -: «باب الأذان». وهذا الكتاب «بلوغ المرام» مؤلف على أبواب الفقه.

الأذان في اللغة: الإعلام, قال الله تعالى: {وأذن من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} [التوبة: ٣]. أي: إعلام بماذا؟ {أن الله بريء من المشركين ورسوله}.

لكنه في الشرع: إعلام خاص أخص من اللغة, وهكذا جميع التعريفات الشرعية أخص من التعريفات اللغوية, يعني: أنه يقصد بها بعض المعنى اللغوي, إلا في موطن واحد فيما يحضرني الآن: وهو الإيمان, فإن الإيمان في الشرع أعم من الإيمان في اللغة؛ إذ إن الإيمان في اللغة إنما هو إقرار القلب فقط, وأما في الشرع: فيدخل فيه جميع الأعمال الصالحة؛ فلهذا قال العلماء - علماء أهل السنة -: إن الإيمان هو الإقرار المستلزم للإذعان والقبول, وليس أي إقرار, فالصلاة مثلًا في اللغة: هي الدعاء لكنها في الشرع من الإيمان, كما قال الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: ١٤٣]. يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس.

هنا الأذان في اللغة: الإعلام, في الشرع: إعلام خاص, وهو الإعلام بحلول فعل الصلاة؛ يعني: أنه حل فعل الصلاة, وهذا الذي ذكرناه أولى من أن يقال بدخول الوقت؛ لأنه إذا كانت الصلاة مما يستحب تأخيرها فإنه يؤخر الإعلام, ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري, أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقام بلال ليؤذن, فقال: «أبرد» , ثم قام ليؤذن, فقال: «أبرد» , ثم قام ليؤذن فقال: «أبرد» , حتى رأوا فيء التلول, ثم أذن له فأذن, ولو كان إعلامًا بدخول الوقت لكان يؤذن من أول الوقت, فمثلًا: إذا كنا في سفر وأردنا أن نؤخر الصلاة, فهل نؤذن إذا دخل وإن لم

<<  <  ج: ص:  >  >>