للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشهر, في رمضان نزل عليه الوحي, وأنت إذا نسبت ستة أشهر لثلاث وعشرين سنة - التي هي زمن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم - صارت جزءًا من ستة وأربعين جزءًا.

مسألة:

لكن هل تثبت الأحكام الشرعية بالرؤيا أو لا؟ هذا محل نظر وتفصيل, فيقال: إن كان في هذه الرؤيا تأييد لشيء ثابت في الشرع عمل بها وصارت من المقويات, مثاله: ما وقع لابن عباس رضي الله عنهما في رجل سأله عن متعة الحج, فأجابه ابن عباس رضي الله عنه بأن متعة الحج حق؛ لأن عمر رضي الله عنه كان ينهى عنها؛ يريد من الناس أن يعتمروا في وقت ويحجوا في وقت, فرأى هذا الرجل في المنام أن رجلًا يقول له: حج مبرور وعمرة متقبلة, فأتى إلى ابن عباس وأخبره, ففرح بهذا. هذه الرؤيا يعمل بها, لماذا؟ لأنه يؤيدها الشرع, فتفيد التثبت والتقوية على صحة ما ذهب إليه الإنسان, أو على رجحانه لأنها حق, أما إذا كانت تخالف الحق فهي مرفوضة, وهي من وحي الشيطان.

ومر بي أن عبد القادر الجيلاني رحمه الله رأى في المنام نورًا عظيمًا لا يوجد له نظير, فخاطبه منه مخاطب يقول له: إنه أسقط عنه فريضة من الفرائض - إن لم يخني الذهن - فهي الصلاة, فقال له عبد القادر: كذبت, ولكنك شيطان, يقول: فتمزق النور.

هذه الرؤيا قطعًا كذب, لماذا؟ لأنها تخالف الحق, فلا تقبل. هذان قسمان, القسم الثالث: ما لا تخالف الحق ولا توافقه, ولكن يكون لها شواهد تدل على صدقها فيعمل بها, ومثالها: ما جرى لثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه حينما استشهد في وقعة اليمامة في قتال مسيلمة الكذاب, فقتلى ومر به شخص فسلب درعه, وأخذه إلى رحله ووضعه تحت برم - قدر من الفخار - فلما كان في الليل رأى صاحب لثابت بن قيس ثابتًا في المنام وأخبره بما جرى, وقال له: إن الدرع تحت برمة في أطراف الجيش وحوله فرس يستن في طوله, فلما أصبح الرجل ذهب إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه وأخبره بالاخبر, فذهبوا إلى أطراف الجيش فوجدوا البرمة قد أكفئت على الدرع كما قال الرجل في المنام, وثابت بن قيس أوصى صاحبه بوصايا قال: أبلغها أبا بكر - رضي الله عنه -, فلما بلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه أنفذ وصيته مع أنها كانت في المنام, لكن لها قرائن. قال أهل العلم: هذه أول وصية أنفذت من رؤيا صدق في المنام.

في هذا الحديث - حديث الأذان -: الرؤيا حق بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>